أخبار محلية

كلمة نائب وزير الشؤون الإسلامية لقرار وقف تأشيرات العمرة والزيارة مؤقتاً

 

سامية الصالح مكة المكرمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن ما اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من تعليق التأشيرات لغرض الحج والعمرة جاء موافقا للأصول الشرعية ، ودلت عليه نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد ×، وما قرره علماء الفقه في قواعدهم الفقهية ، وهنا قليل مما يدل على هذا :
أولا : يقول الله تعالى : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) فمتى لم يستطع الحاج الحج ؛ لخوف طريق، أو قلة زاد ومسغبة، أو مرض عام، سقط وجوبه عليه .
ويقول تعالى : >ما جعل عليكم في الدين من حرج< ويقول:> لا يكلف الله نفسا إلا وسعها< .
ويقول تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)
ويقول تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) .
وفشو الوباء وإن لم يصب الشخص نفسه يعد مخوفا . قال الرملي الشافعي في >غاية البيان شرح زبد ابن رسلان<(ص199) >وفشو الوباء مخوف وَلَو فِي حق من لم يصبه< وإن كان هذا في باب الوصايا وما ينفذ منها وما لا ينفذ إلا أن الشاهد منه عده مخوفا قد يفضي إلى الهلكة .
ثانيا: يقول النبي × فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري: >لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ< .
قال ابن بطال رحمه الله في >شرح صحيح البخاري< (9/449) :> وقد تأول يحيى بن يحيى الأندلسى فى قوله: (لا يحل الممرض على المصح) تأويلاً آخر، قال: لا يحل من أصابه جذام محلة الأصحاء فيؤذيهم برائحته وإن كان لا يعدو، والأنفس تكره ذلك.
قال: وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغى له أن يحل موردة الأصحاء إلا أن لايجد عنها غناء فيرِد.
قلت: فالقوم يكونون شركاء فى القرية في مائها وثمارها، فيجذم بعضهم، فيتأذى بهم أهل القرية، ويريدون منعهم من ذلك؟
قال يحيى: إن كانوا يجدون من ذلك الماء غناء بماء غيره يستقون منه من غير ضرر بهم أو يقومون على حفر بئر أو جرى عين فأرى أن يؤمروا بذلك<
وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في >المسالك في شرح موطأ مالك< (7/468) > قال علماؤنا: المُمْرِض ذو الماشية المريضة، والمُصح ذو الماشيةالصّحيحة.
وقيل : معناه أن يأتي الرجل بإبله أو غنمه الجَرِبَةِ، فيحل بها على ماشية صحيحة، فيُؤذِيهِ بذلك بأن يحتبسَ إليها الجَرَبَ.< .
وإذا فسر الممرض بأنه ذو الماشية المريضة ، ومنع من إيرادها على الصحيحة، فإن الاحتياط لبني آدم من باب أولى.
وقال النبي × : >فر من المجذوم فرارك من الأسد< .
قال ابن حبيب من المالكية كما نقله عنه ابن بطال في >شرح البخاري< (9/412) رحمه الله:>وكذلك يمنع المجذوم من المسجد والدخول بين الناس واختلاطه بهم< .
وقال ابن حبيب أيضا فيما نقله عنه القرافي في >الذخيرة< (13/310) :> وَيُمْنَعُ الْمَجْذُومُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمِنَ الْجُمُعَةِ< .
وقال سحنون فيما نقله الونشريسي رحمه الله في كتابه >المعيار المغرب< ( 1/416) :>وأما ورودهم ماءهم واستسقاءهم منه ووضوءهم فيه وغير ذلك. فأرى أن يمنعوا منه ويؤمروا أن يجعلوا لأنفسهم من يستقي لهم الماء، ويجعلوه في أوانيهم لأن النبي – × – قال: لا ضرر ولا ضرار.
فورودهم الماء وإدخالهم أوانيهم فيه، مما يضر بالإصحاء جدًا. فأرى أن يحال بينهم وبين ذلك. وليجعلوا لهم رجلا فيستقي لهم. ألا ترى أنه يفرق بينه وبين امرأته، ويحال بينه وبين وطء جواريه للضرورة. فهذا أحرى أن يمنع منه< .
ثالثا: إذا كان من أكل ثوما منهيا عن الصلاة جماعة لئلا يتأذى الناس بما يخرج من فيه من الروائح، فكيف بمن قد يكون سببا لانتشار المرض؟!
يقول النبي × فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : > من أكل من هذه الشجرة – يعني الثوم – فلا يقربن مسجدنا< ويقول × فيما رواه الشيخان :> من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا< .
قال البهوتي رحمه الله في >شرح منتهى الإرادات< (1/285) :> (وكره حضور مسجد، و) حضور (جماعة لآكل بصل، أو فجل ونحوه) كثوم وكراث (حتى يذهب ريحه) للخبر ولإيذائه، وظاهره: ولو لم يكن بالمسجد أحد، لتأذي الملائكة ويستحب إخراجه، وفي معناه: نحو من به صنان، أو جذام< .
رابعا : القواعد الشرعية كقاعدة :>لا ضرر ولا ضرار< وقاعدة >الضرر يزال< وقاعدة > درء المفاسد مقدم على جلب المصالح< وقاعدة >رفع الحرج< وغيرها من القواعد .
خامسا : وكذلك نهي النبي × من الدخول على أرض نزل فيها الوباء أو الخروج منها، فقد روى أحمد في مسنده وغيره أن النبي × قال:> إذا كان الوباء بأرض ولستَ بها فلا تدخلها، وإذا كان بأرض وأنت بها فلا تخرج منها< والوباء أعم من الطاعون كما ذلك ذلك ابن حجر في >فتح الباري< (10/181) وكذلك كثير من فقهاء المذاهب الأربعة .وقال ابن الأثير في >غريب الحديث<( 5/310):> الوبَا بالقَصْر والمدّ والهمز : الطاعُون والمرضُ العام < .
سادسا: روى مالك في >الموطأ< والفاكهي في >أخبار مكة< عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال : يا أمة الله اقعدي في بيتك ولا تؤذي الناس، فلما توفي عمر بن الخطاب أتيت فقيل لها : هلك الذي كان ينهاك عن الخروج . قالت : والله لا أطيعه حيا وأعصيه ميتا .
سابعا: حديث >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته<
ومن قام على الحرمين من أئمة المسلمين وجب عليه النصح لهم في دينهم ودنياهم، ومن أعظم الرعاية العمل على منع انتشار الوباء بين المسلمين؛ لما يحصل من الفوائد الجمة، وصيانة لبيت الله ومسجد نبيه ×، وليس له أن يتساهل في هذا الأمر .
وهذا مما حمل قيادة هذا البلد المبارك خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – من تعليق التأشير مؤقتا لغرض الحج والعمرة والزيارة ؛ لأن هذا من الوقاية ، وهو من أسباب منع انتشاره بين المسلمين إذا رجعوا إلى بدانهم، فإن مكة والمدينة شرفهن الله يجتمع فيها المسلمون من الأقطار كافة.
وخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار شيء تفتخر به حكومة هذه البلاد ، وهو تاج على رأسها، وتعمل كل ماتراه نافعا لهم .
فما قام به ولاة الأمر ، هو عين العقل والحكمة والنصح للمسلمين .
بارك الله فيهم وفي أعمالهم وأعمارهم ، ونسأل الله تعالى أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وأن يحفظ المسلمين من كل شر .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

أد.يوسف بن محمد بن عبدالعزيز بن سعيد
نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى