مقالات مجد الوطن

صناعة المبدعين.. فخر الأمم

 

الإبداع هو علم وقدرات وصفات عرفها الكثير من العرب والغربيين وترجمة الفلاسفة والعارفين، وببساطة هو كل جديد مالم يألفه الإنسان من قبل وأيضًا يتفرّد به البعض عن البعض، والمبدع هو الإنسان الذي يمتاز بقدرات وصفات ومميزات عن غيره من الابتكارات أو اختراعات أو الاكتشافات وكل ما يكون مغاير لما يتوقعه ومالا يتوقعه الإنسان، والمبدعين هم أناس يشاركونا حياتنا فَهُم من أبنائنا أو إخواننا أو أصدقائنا والعديد قد نكتشفهم وقد لا نكتشفهم لأن المبدعين هؤلاء ينشغلون بعالمهم ويقضون الساعات في وحدتهم المثمرة التي هي عبادة روحانية لهم حيث يجدون متعتهم بالاندماج بعالمهم الخاص ما بين الاطلاع والقراءة على القديم والجديد من العلوم والمعارف والتجارب والابتكارات التي يجدون بها متعتهم و فسحتهم والتي تغيب عن العديد وقد يتعجب لها البعض وقد يستغرب لها البعض الآخر ولكن هي تلك الطقوس أو الحالات التي يعيشونها لدرجة البعض يطرح بعض الأسئلة ومن لم يتجرّأ بطرحها عليهم فهو يضمرها بنفسه وهي:
– هل هؤلاء انطوائيين؟
– هل هؤلاء يتهربون من الاختلاط مع البشر لأنهم لايحسنون التعامل؟
-هل هؤلاء لايجيدون العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين؟
فنقول لا.. إنما هؤلاء عشقوا العمل والتحليق في عالمهم الخيالي والعلمي حيث يطغى الجانب الفكري الذي يهتم بالتعلم والمعرفة والبحث لديهم يغلب على الجانب العاطفي الذي يهتم بالمشاعر والعلاقات وعلى العكس هم يتميزون ولكن يجدون متعتهم بالانغماس بالتفكير لأنهم خلقوا يهتمون بالبحث وتفسير الظواهر التي قد لا تلفت انتباه الإنسان العادي.. فالمبدعون يطيلون الوقت بالتفكير كثيرًا دون ملل والإنسان الطبيعي يشعر بالتشتت ويقف عن ذلك لأنه لايستطيع التعمق لأن الله جعل لكل منا قدرات والمبدعون تميزوا بالتعمق بالتفكير والقدرة على التحليل والبحث عن أسباب وتفسير النتائج التي يصلون إليها تلك هي الأمور الخفية.
إذا تحدثنا عن صناعة المبدعين فهي ليست بالصدفة إنما هي علم واسع له أدواته وتحليلاته والبحث في اكتشاف المبدعين، ذلك الإنسان نفسه الذي قد لا يعرف ما لديه من صفات فطرية متوارثه أو قدرات ومهارات مكتسبة قد لا تعرفها الأسرة ذاتها أن ابنها مبدع إنما هناك ملاحظات تبدأ منذ الصغر ولأسباب ما لم تكتشف أو تلاحظ من الصغر فهي تلاحظ من التصرفات وقد تظهر خلال المراحل العمرية والدراسية لذلك يجب أن تهتم الدول والمنظمات بهؤلاء الفئة من المبدعين وهو يعتبر ظاهرة صحية وأصبح الآن معظم الدول تقوم بعمل أنظمة وبرامج لاكتشاف هؤلاء الموهوبين أو المبدعين والاستفادة منهم عبر تسليط الضوء عليهم وعمل برامج ينخرطون بها لأن الاهتمام بهؤلاء أمر عظيم لأنهم ثروة فكرية وعلمية ومعرفية واقتصادية وصناعية لأوطانهم وسوف تعود على الدول بالتطور والإزدهار لأن الأمم تنهض بالعلماء حيث الموارد تنضب وتزول ولكن المورد البشري الإبداعي لاينقرض لأنه متجدد ويمكن الاستفادة من المبدعين فهم من يشرفون على برامج الذكاء الاصطناعي وهم يقدمون برامج الاكتشاف ويعدّون البحوث ويحللون الفرضيات ليحولوها إلى نظريات تثبت أفكارهم هذا ماجعل الأمة الإسلامية في عصورها الذهبية متقدمة على العالم لأن الاهتمام بالعلماء والفلاسفة والمفكرين بغض النظر عن أديانهم يرعون من قبل الأمراء والسلاطين ويوضعون بأفضل المراكز وتقدم لهم الهبات والجوائز ليشجعون الآخرين بالاقتباس والتنافس وكأن العالم يشهد على ذلك بالمنجزات والعلماء والحياة المزدهرة التي شيّدت العواصم والمدن مثل بغداد وسمرقند وبخاري والأندلس ودمشق وكانت المآثر تشهد بالعلم والمعرفة وتلك القرون كانت بها الحضارة الإسلامية تضيء العالم وبرزت أسماء في العديد من العلوم كالطب والفيزياء والفلك والجبر وعلوم البحر وصناعة الأجهزة الطبية وكانت أوروبا تقبع بالظلام الدامس والفقر والجهل وسيطرة الكنيسة بخزعبلاتها والإسلام يضيء البصائر والعقول ولكن عندما اهتمَّ المسلمون بالترف والنعم واهتمّوا بالحكم وتناحروا وتشرذموا ضعفت الدولة الإسلامية وحاولت الإمارات الصليبية أن تأتي العالم الإسلامي من الجانب الفكري والعسكري بالجيوش فغزت الدولة الإسلامية وانهكت بسبب حروبهم على الدويلات وبعد ذلك نُهبت المكتبات ببغداد والكوفة والأندلس ودمرت وأحرقت العديد من المكتبات وأمهات الكتب التي ترجمت من العديد من اللغات اليونانية والفارسية وسرقت أمهات الكتب والمخطوطات وهنا تحولت الأمة الإسلامية من أمة إقرأ إلى أمة انتشر بها الجهل والفقر والتخلف عن ركب الأمم والجانب الآخر استلمت أوروبا زمام العالم وترجمت الكتب وواصلت النظريات والعلوم التي بدأ بها المسلمون .
ومن الشخصيات التي نُقشت اسمائها بالعالم بأسره في العديد من العلوم: ابن الهيثم في علم الفيزياء الضوء والرؤية الخوارزمي مؤلف علم الحساب والجبر وله الفضل بعلم الحاسب اليوم الخوارزميات وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى والفرازي الفلكي المشهور صانع الاسطرلاب وغياث الدين الكاشي بنى مرصد فلكي في سمرقند وجابر ابن حيان فهو أول من استحضر ماء الذهب والعديد من الأحماض وصنع ورق غير قابل للاشتعال وابن البيطار أعظم صيدلي من مكتشفي أدوية السرطان والأورام الخبيثة بعصرة من النباتات وابن ماجد كبار ربابنة العالم والبحار مكتشف طريق الهند والادريسي من أعظم الجغرافيين راسم أعظم خريط للعالم وهو من شرح العالم على أنه بشكل البيضة والرازي من كان مشهور بالطب اهتم بتشريح جسم الانسان ألّف كتاب الحاوي بالطب والفارابي تحدث عن الجاذبية الأرضية قبل نيوتن بمئات السنين وعُرف بالمعلم لأنه أشهر من درس كتب أرسطو وهناك العديد والعديد من المبدعين المسلمين الذي خدموا العالم والبشرية بعلومهم وفكرهم.
فنتمنى أن تعود أمتنا الإسلامية لتصنع المجد الذي يستظل العالم بظلّه إنها الثروة الفكرية حيث الاهتمام بالمبدعين والتي تعتبر هي أولى خطوات بناء الحضارات وتقدم الأمم.
بقلم
د/ محمد عيد السريحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى