أوردنا بالأمس قصة دخول موسى إلى بيت شعيب عليه السلام و كيف أنه أعجب به و بأمانته وقوته وقد أثنت عليه ابنته التي ذهبت لتدعوه..
وبالفعل عبر أبو الفتاة عن مزيد من إعجاب فعرض على موسى عرضا يتضح في قوله تعالى :
(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (27)
عرض عليه أن يزوجه ابنته
على أن يثيبه من تزويجها رعي ماشيته ثماني حِجَج أي أعوام، وهو مأخوذ من قول الناس: آجرك الله فهو يَأْجُرُك, بمعنى: أثابك الله، والعرب تقول: أَجَرْت الأجير آجره, بمعنى: أعطيته ذلك، كما يقال: أخذته فأنا آخذه.
قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجر, أراد فاعلته; وكأن أباها جعل صداق ابنته التي زوجها موسى رعي موسى عليه ماشيته ثمانيَ حِجَج أو أعوام.
ثم أكمل عرضه : فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك إحدى ابنتي، فجعلتها عشر حجج، فإحسان من عندك، وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) في الوفاء بما قلت لك و في حُسن الصحبة .
و قال ابن عباس; الجارية التي دعته هي التي تزوجها .
ويحكى أن موسى قال: وأيتهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك، قال: ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها، فقال: هي عندك كذلك، فزوّجه.
ثم تأتي الآية الكريمة : ( فلما قضى موسى الأجل ) أي : الأكمل منهما ، فقيل قضى عشر سنين والله أعلم .
وقوله : ( وسار بأهله ) قالوا : كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله ، فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه ، فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره ، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة ، فنزل منزلا فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئا ، فتعجب من ذلك ، فبينما هو كذلك إذ رأى نارا تضيء له على بعد ، ( قال لأهله امكثوا إني آنست نارا ) أي : حتى أذهب إليها ، ( لعلي آتيكم منها بخبر ) . وذلك لأنه قد أضل الطريق ، ( أو جذوة من النار ) أي : قطعة منها أو عود من الحطب المشتعل ، ( لعلكم تصطلون ) أي : تتدفئون بها من البرد.
ووقع ذلك عند جبل الطور في جنوب سيناء و يقال أنه أفضل الجبال لأن الله كلم موسى عنده و قيل أن حراء يسبقه في الفضل كونه في مكة أفضل البقاع و لانطلاق خاتمة الرسالات منه و الله أعلم.
فلما أتى موسى النار التي آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ ( نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَن ) يعني بالشاطئ: الشط, وهو جانب الوادي عن يمين موسى.
فلما أتاها نادى الله موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة منه من الشجرة ( أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).
وقيل: إن معنى قوله: (مِنَ الشَّجَرَةِ): عند الشجرة.
فنودي من عند الشجرة (أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).
وقيل: إن الشجرة التي نودي عندها موسى هي شجرة عَوْسَج. وقال بعضهم: بل كانت شجرة العُلَّيق.
و العوسج نبات ينتمي للعائلة الباذنجانية و يسمى الغرقد.
الثمرة التربوية :
قصة زواج موسى و أمانته في إتمام العمل، مثل يحتذى في الأمانة و الوفاء بالعهد وحسن الصحبة و التراحم، فهذا زواج بعيد عن التعقيد و الكماليات بني على حسن الخلق و وفاء بالعهد وأجرة وتكليف بعمل، و الآن للأسف نزعت البركة من الزواج وكثرت الخلافات بين المرتبطين بهذا الميثاق الغليظ الذي جعله الناس ضعيفا، بسبب الاهتمام بالمظاهر و الأمور المادية لا البحث عن حقيقة الرجولة و العطاء في الرجل و المرأة و اختلطت الحقوق و تم التفريط في أداء الواجبات، لهذا كثرت حالات الطلاق و عدم الزواج لسطحية البعض وتهافت قناعاتهم ..
ونكمل القصة الشيقة غدا بإذنه تعالى..
د. فاطمة عاشور
0 15 2 دقائق