ضيف الله مهدي
في خطبة اليوم الجمعة الموافق ٢١ رجب ١٤٤٥هـ ، بجامع الفقهاء في بيش أبدع وأفاد وقدم المستفاد الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم حين قدم موعظته ونصائحه ودرسه في خطبته عن الوالدين بصفة خاصة والأرحام بصفة عامة ، وقدم أعذب الكلام وأجمل المواعظ ، فكانت العيون مصوبة ناحيته والأسماع متصلة بصوته وكأني أسمع أنين بكاء وأعين تفيض بالدموع .. وتذكرت أنني لما كنت مرشدا طلابيا بثانوية بيش كنت أجد العلاقة بين الطالب ووالده متوترة وبعضهم مقطوعة حتى قال لي أحد الطلاب : أسوأ يوم في حياتي لما نتقابل أنا وأبوي على الغداء ، وأب اتصل بشيخنا الفاضل مدير المدرسة الشيخ محمد يحيى فقيه يرحمه الله وقال : ولدي عندكم في الأول الثانوي انصحوه يا شيخ ترى الولد يضرب أمه وأخواته وحوله إلي شيخنا وحليت مشكلته ومعد ضربهن حتى اليوم وبكرة وبعده .. وأب استدعيته لأنصحه من أجل أن يغير معاملته مع ابنه المراهق في الأول ثانوي فكشف لي غطاء رأسه وقال : ” ما شاب رأسي إلا من هذا الولد ” . وحليت مشكلته وتحسن الحال حتى أن والده في كل لقاء يجمعني به وكل مناسبة نجتمع فيها يناديني بلقب اطلقه علي وكنت افتخر به طوال حياته يرحمه الله .. وكنت قد كتبت رسالة لأب يشتكي بنيه وتعاملهم معه ، وطلب مني رسالة يرسلها لأبنائه ، فكتبت له : ” يؤلمني كثيرا النكران ، وأكثره لما يكون من أبنائك !
أبناؤك الذين في يوم فضلتهم على نفسك ، كان في يدك شيء جميل فتناوله ابنك فأعطيته فرحا ومستأنسا وفضلته على نفسك . كنت في يوم حزين ومهموم وخاطرك مكدر ومكسور ، فجاء ابنك عندك فتغيرت ١٨٠ درجة ، لكي تظهر أمامه بالفرح والسعادة ولا يراك بتلك الحالة المتكدرة .. كنت في حالة تعب وتريد ترتاح وتنام بعد يوم عمل شاق ورحلة طويلة ، فتألم ابنك فقمت وذهبت به للمستشفى ضاربا براحتك عرض كل حوائط الدنيا !.
كنت تحتفظ ببعض دريهيمات لتنفقها على شيء لك تريد عمله ، لكن فضلته وأعطيته ذلك المبلغ وأحضرت له كل ما يريده ، خسرت من المبالغ الكثير ولَم تحسبها .. كم من الحشرات قتلت كي لا تؤذيه ؟! وكم من الأماكن نظفت كي يجلس في المكان النظيف ؟!
حينما يغيب عن ناظريك ولا تدري أين هو يجن جنونك وتذهب تبحث مجنونا وتتوعد بعقابه فإذا ما وقعت عينيك عليه تبدلت الهموم والقلق وراح التوعد بالعقاب لضحكة وأنس .. كبر وليته ما كبر !! أدخلته المدرسة كل نجاح له هو فرحة لك وتاج تزين رأسك به ، وكل خيبة وفشل له هو ألم لك وقهر ومرض وحزن !
كبر وأصبح يسهر مع أصدقائه وأنت لا تنام ولا يهدأ لك بال ، وتتصل تريد تطمئن عليه ويذهب قلقك فلا يرد عليك رغم أنه يرى رقمك وكاتب اسمك بعبارة جميلة ليس حبا فيك ولكن تجملا من أصحابه كي يقولون يحب أبوه وأمه وهو عكس ذلك ، وتنتظر عودته حتى تراه يعود للبيت ، تسأله مهموما ومشغولا وقلقا عليه : أين كنت ؟ فيرد عليك بفظاظة وقول جراح مؤلم .. ليته لم يكبر وظل صغيرا!.
كبر وتوسطت بكل من تستطيع حتى يكمل دراسته وأنفقت عليه وأحضرت له كل مطالبة وسيرت كل الصعاب وذللتها له ، ثم تخرج وعمل وتنتظر منه بفرحة غامرة أن يكون لك كما كنت له في صغره .. تمنيته في كبرك يسعدك وتمنيته في عجزك يحملك ويسندك ، تمنيته حال مرضك يسعفك وحال حزنك يضحكك ، فإذا أنت بالنسبة له شخص غريب ، لا يحس بألمك ووجعك ومرضك .. أنت بالنسبة له آخر شخص يسأل عنه !.
كنت تنفق الألف ريال عليه وتراه ريال وتنفق المئة وتراها قرش ، لا يهمك ما أنفقته عليه وما أضعته ويهمك سعادته وفرحه !.
صار يعطيك الريال ويحسبه بألف وسط تذمراته وغضبه ، وإذا أعطاك المئة ريال فقد أنفق عليك مليار ، وأما إن أعطاك ألف ريال فقد أنفق عليك ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية . أنت لا تحسب الآلاف التي أنفقتها عليه وهو يحسب الريالات التي أعطاك .
ربما أنت الذي علمته وعلمت أبناء المجتمع وصفحاتك بيضاء مع أناس خارج الحدود ووراء البحار والمحيطات ، أصبحت في نظره جاهلا متخلفا لا تساير العصر ولا تواكب التقدم وتحتاج مئة سنة ضوئية حتى تصير قريبا من ثقافته وعلمه وتقدمه ، البقع التي في ثوبك من حملك له وهو صغير وبوله وبرازه الذي ما يزال أنفك يشتمه هو يراه وساخة فيك وقذارة وعدم نظافة وأنك جاهل متخلف من المفترض أن تموت وتسترك الأرض في باطنها حتى لا تبقى نقطة سوداء في حياته !
عندما يذكر اسمه في محفل أو في غير محفل تبتهج وتفرح به وتخبر كل من تحب أن هذا ابنك ، وعندما يذكر اسمك يطأطئ رأسه خجلا وأسى من الفضيحة التي هو فيها من ذكر اسمك . أنت لا تحسب عليه وهو يحسب عليك كل شيء . عندنا أنتظرت اليوم الذي يضحكك فيه ويسعدك ويؤنسك فإذا هو يغضبك ويحزنك ويسوء عيشك وخاطرك.
غَذَوْتُكَ مولوداً وَعْلتُكَ يافعاً
تُعَلُّ بما أُدْنِي إليك وتَنْهَلُ
إذا ليلةٌ نابَتْكَ بالشَّكْوِ لم أَبِتْ
لشَكْواكَ إِلا ساهراً أَتَمَلْمَلُ
كأني أنا المطروقُ دوَنكَ بالذي
طُرِقْتَ به دوني وعينيَ تَهْملُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عليكَ وإِنها
لتَعلمُ أن الموتَ حتمٌ مؤجّلُ
فلما بَلَغْتَ السِّنَّ والغايةَ التي
إليها مَدَى ما كُنْت فيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جزائي منكَ جَبْهاً وغِلْظةً
كأنكَ أنتَ المنعِمُ المتفضِّلُ
فليتكَ إذ لم تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتي
فَعَلْتَ كما الجارُ المجاوِرُ يفعلُ
وسَمَّيْتَني باسْمِ المُفَنَّدِ رأيُهُ
وفي رَأْيِكَ التفنيدُ لو كُنْتَ تعقلُ
تَراهُ مُعِداً للخِلاَفِ كأنهُ
بِرَدٍّ علَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوكَّلُ
يقول الذي كتبت له الرسالة : نشرت رسالتك في قروب العائلة فماهي سوى عشر دقائق وكل أولادي وبناتي قد أتوا إلي وإلى أمهم يستسمحون .. إذا أحنا غلطنا من دون قصد سامحونا يا أبي أنت وأمي !!
بعض الرسائل مفيدة ، وسلامتكم .