مقالات مجد الوطن

خيبة

 

محمد الرياني

يحلو لها أن تفتح شباك غرفتها الخشبي المطل على حديقة صغيرة تجاور غرفتنا الوحيدة، تفتح شعرها الطويل وتنثره بين قوائم الحديد التي تصطف في مساحة الشباك، أحيانًا كنت أرى عصفورًا موسميًّا أصفر اللون يقف إلى جوارها ولايهرب من حركة الشعَر الذي يتدلى مع نسمات الصباح، لا أعرف إن كانت تراني وأنا أختبئ لأراها في الصباح أم أن العصفور وشعرها الأسود الطويل يستأثران بالوقت والتفكير، أردت أن أكسر الحاجز المكاني بيننا، وأن أصل إلى حيث تنظر، وضعتُ مصيدة للعصفور المسكين لأمنعه من الذهاب إليها، فرح بمنظر الحبوب الذي أغريته به، لم يذهب إلى الشباك هذه المرة، هبط إلى حيث رميتُ له الحبوب، وقع في الشَّرَك البسيط الذي نصبته له، ألقيتُ القبض عليه، ظل ينظر إليَّ وفي عينيه نظرات مقارنة بيني وبين ذات الشعر، أشعرته بالأمان وأنا أمسح بيدي على رأسه، تركته يلتقط الحبوب وعيني ترقبه خوفًا من أن يهرب نحوها، استغربتُ من عدم فتحها للنافذة هذا اليوم، حملتُ العصفور واتجهتُ إلى النافذة العلوية، صعدتُ على سلم خشبي قديم وجدته أسفل البيت في الحديقة، ضربتُ بيدي على خشب النافذة لعلها تسمعني فلم تجب، كانت قد وضعت بعض الحبوب للعصفور في صحن ليلتقطه عندما يحضر، نثرتُ مامعي من حبوب على حبوبها، عندما شعر بأن يدي فارقته حرك جناحيه وألقى تغريدة جميلة وكأنما انزاح عن ظهره مخلب جارح، تركته ونزلت عبر السلم، كدتُ أن أقع من فعل مخلوق صغير استفزني في الصباح، وأنا أغادر الحديقة انفتح الشباك، عادت لتنثر شعرها من جديد، ألقت حبوبًا في الأرض، عرفتُ أنه الحَبُّ الذي قدمته لعصفورها، لم يرفع رأسه من صحنها، اكتفت هي بالغناء للعصفور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى