مقالات مجد الوطن

غياب

 

محمد الرياني

في الصباح أصحو على حضور دهشتك، أبحث حولي عن الفناجين التي كنتِ تصبين فيها قهوتك الساخنة التي تشبه حرارة لقائك، أرصد الأزقة لأقرأ الابتسامات في مداخلها البريئة، أتأمل الأماكن التي غاب ساكنوها عن الوجود، لم أكن أعلم أنني سأكبر يومًا ولا أجد الزائرات القادمات من الزمن الغابر لمؤانستك واحتساء قهوتك تحت الظلال في بيتنا الطيني ، أو يزداد عمري لتهرب روعة الظلال مع اختفاء الأشجار التي اجتثت أصولها ويغيب شذاها عن الإشراق وهبوب النسيم ، شاب الرأس يا غائبة فابيضّ النهار عن فصول لم نعهدها، همت السماء فلم نجد شادية في الدار تفتح فمها لتغني في حضور المطر، أو صبيَّة تلعب بخصلات شعرها كي تدركه البركة القادمة من فم السحاب، كل هذا يحدث في الصباح ولم يكتمل كل النهار ، حضر الليل وسطعت النجوم فتذكرت نشيد المساء الذي يدفعني للسبات، شدوك الجميل يطول لأنني أتعمد البقاء مستمعًا فلا أستعجل إغماض عيني فأفقد لذة الصوت والنهر الخالد، أنام وصوتك لايزال يسكن في رأسي حدّ البقاء ، أستيقظ قبل العصافير وعيناي تنظران إلى مداخل بيتنا التي رفضت الأسوار من أجل ألا تتعثر أقدام القادمات نحونا فلا تغيب واحدة منهن ولا يصمت حديث صباحاتها، كبرنا ولايزال للصباح ظلال وأشجان وبقايا من سطور الشمس، لن تعودي مجددًا لاستقبال ضيفاتك، ولاهن سيأتين باسماتٍ لطرد وحشة الآلام، غابت معك الفناجين أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى