مقالات مجد الوطن

الخَريف

وه

محمد الرياني

أُحبكِ فلا داعي لهذه الأصباغ ، لستُ من الذين تغريهم أصواتُ الشفاهِ الملطخةُ بالحُمرة، ظلَّتْ صامتةً تستمعُ لهذا الجافِّ كفصلِ الخريف، نظرَ في عينيها، قال لها: أرى روعةَ العالمِ في عينيكِ، وبسمةَ الدنيا في شفتيكِ، صمتُكِ يقودني نحوَ الضجيج، وضجيجكِ يدفعني للصمت، يصيبني الخجلُ من أن أغوصَ في أعماقِ بحورِ غيركِ، لستُ مصنوعًا من قوالبَ المعدنِ حتى تحركني مباسمُ مصطنعةٌ أو رموشٌ ملونة، قالت له: عُدْنا إلى الجفافِ يافصلَ الخريف، تمادى في الغَزَلِ على طريقتِه، أمسكَ بيدِها نحوَ الصغارِ النائمين ، قالت له: لاتوقظْهم في أولِّ نومهم ، ردَّ عليها بأنَّها في نظرِه صورةُ الطفولةِ التي تسكنُ في الصغارِ من حولهما، لم يرفعْ صوتَه كي لايقوموا على الحوار، جرَّها نحو الجدرانِ الهادئة، وإلى المساحاتِ الملساءِ على الأرضِ وعرْضِ الجدران، حدَّثها بثقةٍ: أرى ملامحَكِ في كلِّ مكان، أكملَ المشوارَ بزيارةِ المطبخ، ترددتْ وهي تدخلُ معه ، خشيتْ على وجهِها وأنفاسِها من رائحةِ المطبخ، ولكنها استجابتْ لترى النهاية، قال لها : في المطبخِ كتبْنا قِصةَ حبِّنا على رائحةِ الطبخ، بعضُ مفرداتِ العشقِ ربما خرجتْ من مروحةِ تصريفِ الروائحِ إلى الفناءِ الخارجي، جلستْ لتزيلَ بعضَ الطلاءِ ولم تفعل ، تركتْه واتجهتْ لتغيِّرَ بقيَّةَ المعالمِ الجميلةِ من على وجهِها الدائري، أمسكَ بها ليمنعها، قالت ألا تحبُّ الشحوبَ ، ردَّ عليها ضاحكًا : هل صدَّقتِ ياعزيزتي، ابقِ كما أنت، فأنا أمزح ، فتحَ الشُّباكَ ليريَها أنهما في فصلِ الخريف، ألا ترينَ الأوراقَ تتساقطُ من شَجرةِ الليمونِ التي غرسناها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى