مقالات مجد الوطن

الأديبة الناقدة الأستاذة فضية الأحمدي: لا أدري بما أبدأ الكلام ..

هل أبدأ بالشكر فأصوغه في أجمل العبارات ، أم بالامتنان فأكتبه خالصًا بأجمل الكلمات .

حقيقة يكلّ اليراع ، ويعجز القلم وتنحني الجمل أمام صفائكم ، ويعجز اللسان أن
يقول كل مافي الفؤاد لكم ، فطابت أوقاتكم وحياتكم ، ورفع الله شأوكم وشأنكم .

ناقدةٌ وشاعرةٌ لها فلسفتها الفريدة في سبر أغوار النص وبيان معانيه واستنباط الصور العميقة منه ، وهي ممن سبقوا دوماً الى صدارة المشهد الأدبي وممن تنهال عليهم الأوصاف والنعوت بالجزالة ومتانة السبك والغوص وراء الأفكار والمعاني.

تمتلك أدوات نقدية تميزها عن سواها ، تبحر مع قراءتها تعلوك الدهشة من عمق نظرتها وبعد رؤيتها وإحكام كتابتها.

قدمت العديد من الدراسات النقدية الهادفة لتطوير القصيدة والبحث في مناقبها.

حقيقةً..
رأت العين ما سرّها ، فأنثالت العبارات بذكرها ، والأقلام بحبرها ، والبحور بشعرها ولروحك الجميلة أهدي هذه الأبيات:

فضيةٌ أحرفي تهدي لكم نغمي
أكاد أسمعها تشدو بغير فمِ

فضيةٌ إن شعري كلّ أبحرِهِ
غنّتْ بأجمل ألحانٍ من النغمِ

سما بك الحرف حتى خلتُ أبحره
تسابقت لمدادي ترتجي قلمي

شكراً بلا حد، وامتناناً بلا عد، وباقات
من المحبة والعرفان والود.

شادي الساحل.

 

قراءة في قصیدة (يا شيخ)
للشاعرشادي الساحل
بقلم فضیة الأحمدي

يا شيخ

قصيدة يجسد فيها الوفاء ، الحب ، الأخوة ، النبل من الأديب الأريب الأستاذ شادي الساحل لأخيه الشاعر الكبير الأستاذ شيخ صنعاني .

لا يُــعــرف الــعـود إلا حــيـن يـحـتـرقُ
فـالـعـاشقون ســـواء حـيـنـما عـشـقوا

ياشيخ ما الشعر ما الأبيات ما الألق
ومــا الـجـمال ومـا الإبـداع مـا الأفـقُ

جـميعها يـا بـديع الـحرف قـد سُـكبت
فـــي راحـتـيك فـبـان الـعـطر والـعـبقُ

إنَّ الـقـوافي أتــتْ .. تـمـتاحني أمـلًا
فـاحـتار حـبري..وتاه الـسطر والـورقُ

وأبـحر الـشعر يـا صنعاني قد جهدتْ
تــــروم وصــلــك حــتـى صـابـهـا أرق

والـمـجد والـفـخر والـعلياء قـد رضـخت
والـطـيـب والــعـودٌ مـــن كـفـيك تـنـبثقُ

عـوفـيت يـا شـيخ مـن بـأس ومـن ألـمٍ
ودمــت فــي فـرحة تـهمي كـما الـودقُ

عـوفـيت مــن عـلـةٍ صـابـتك يـا عـلمًا-
-كــــل الـمـكـارم فـــي كـفـيـه تـسـتـبقُ

الشاعر/ شادي الساحل

إذا كنا في النقد الأدبي نقول بموت المؤلف وبقاء النص ، وأنَّ النص هو الذي يشرع لنا أبوابه لندخل إلى أعماقه .. فإن هذه القصيدة الرائعة تقلب لنا الموازين تماما ، وتجعلنا ندخل إلى عالمها الرائع آخذٌ بأيدينا مبدعها الوفي ليضعنا منذ البداية إزاء نفحة رائعة طرفاها شاعر مهداة إليه وشاعر مهديها إلى أخي إبداع …

العُودُ عود الطيب ، والطيب لا يفوح إلا بإشعال العود . بهذه المسلمة التي تفوح طيباً .. يفتتح شاعرنا أبياته فيضعنا أمام حكمة في تفاعلات المجتمع الإنساني رائعة ” لا يُــعــرف الــعـود إلا حــيـن يـحـتـرق ”
ثم يردفها الشاعر بعجز البيت وبعمق صوت قافية القاف “فـالـعـاشقون ســـواء حـيـنـما عـشـقوا” حكمة أخرى تتوغل أكثر في العاطفة الإنسانية ؛ فالعاشقون كلهم سواء في روعة العشق ، كلهم عاشق توغل في حب معشوقه !

مواءمة رائعة بين العقلي المنطقي في صدر البيت الأول ، والعاطفي الإنساني في عجزه يسطرها لنا الشاعر منذ البداية ليقولَ لنا إنَّ صديقه قد حاز الجمال بدائرتيه ؛ الاجتماعية الكبيرة في قبول الناس جميعا ، والشخصية الصغرى في حب صديقه له .

و يأتي في البيت الثاني مباشرةً إلى مناقب صاحبه مقتنصاً اسم صاحبه (شيخ) ليجعله اسماً لصفة وصفةً لاسم فيناديه (يا شيخ) ليثبت له -بأداة النفي (ما) التي خرجت عن الاستفهام للتقرير- الشعرَ والأبياتَ والألقَ على المستوى الأدني ، و الجمالَ والإبداعَ وأفقَ الأدب على المستوى الأقصى ..

جميعها -وما أجمل جملة النداء الاعتراضية (يا بديع الحرف) وأحناها – قد سُكبت في راحتي صديقه شيخ القصيد استعارةً للسكب من الماء حين ينساب على راحتي اليدين رقراقاً رخيا ، ليعبر شاعرنا بهذه الاستعارة الرائعة عن انسكاب الشعر والجمال والألق يهمي من بيان صاحبه فيفوح عطراً وعبقا ..

والشاعر عادةً يمتاح بحور القوافي ليغترف منها ، ولكنَّ شاعرنا هنا جعل -بهذه الروعة- القوافي هي التي تغترف من وجدان شاعرنا أبياتها أملا في أن تفي صاحبه -شيخ القصيد- حقه . ولذا قال على سبيل الاستعارة الرائعة إنَّ حبره احتار ، وإنَّ سطره والورق قد تاها في وصف مناقب صاحبه .

صنعاني .. هو لقب صاحب شاعرنا المهدي له الأبيات . اقتنصه شاعرنا اقتناصة رائعة ؛ حين ناداه بأنَّ أبحر الشعر جميعها في جهد وأرق وهي تروم وصل هذا الشاعر الكبير بقافية تهديها إليه فتكون ك “جالب التمر إلى هَجَر”

المجد والفخر والعلياء والطيب والعود كلها معالٍ تنبثق من كفي صديقه الشاعر الكبير شيخ صنعاني .

المتنبي قال في تهنئة ممدوحة الكبير وصاحبه الأثير سيف الدولة لشفائه من داء ألم به :

المجد عوفي إذ عوفيت والكرمُ
وزال عنك إلى أعدائك الألمُ

وشاعرنا هنا يقول لصديقه الحبيب -بلغة رقيقة- منادياً له باسمه “عوفيتَ يا شيخ …” عوفيت من البأس والألم . وداعياً له بدوام الفرح يهمي على قلبه كما يهمي الودق من السماء .

عوفيتَ يا صاحبي من علةٍ أصابتك انسكبت بها مشاعر أخيك قافيةً مهداةً إليك وأنت العَلم على كل المكارم من الفعل والشعر تستبق انسكابا على كفيك يا صاحبي .

• فضية الأحمدي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى