مقالات مجد الوطن

تكملة الجزء ٢٩

 

انصرفت أم قناعة مغاضبة، وقبل أن يغير (المتوهم) وجهته قال لنفسه: “سيجلب المتاعب والمشاكل للبنت باسم حبه الزائف، سأذهب إليه واتفاهم معه لعله يغير ما في رأسه”. وعندما وقف عند بابه كان لا يزال يرتدي قميصه وازاره الأبيض، سلم عليه وحاول أن يقوده إلى مجلس الرجال إلا أن (المتوهم) رفض بلطف وطلب منه مرافقته.
– غريبة.. أن الوقت مبكرًأ جدًا وأنت لا تأتي في مثله اننا قبل السابعة، هل اشتريت فطورًا؟
– لا يزال.. هيا تعال معي.
وبعد أن مشيا قليلًا وابتعدا عن بيته، قال له المتوهم:
– لماذا لا تكون مرن وتتيح الفرصة لعقلك حتى يتعرف على الصعوبات التي سوف تواجهها البنت من تصابيك المتأخر؟
حدق (المنصدم) في جرة الفول المعدنية وكأن عليها كتب جوابه:
– أنت تبالغ.. لن تكون هناك مشاكل وأن حدث ووجدت فإن مفتاح حلها عندي.. أنا من سيتزوجها.
انتهى (المتوهم) من الشراء، دعى (المنصدم) لتناول الإفطار معه، وعندما وقف عند بابه كان لا يزال المنصدم يتحدث عن زواجه الوردي.
حياه (المتوهم) وقاده إلى – المجلس- غرفة الرجال، وهي الغرفة التي تقع في أول البيت ويجاورها مغسلة ودورة مياه، ثم قال المتوهم له:
– لا تتيح للشيطان سبل غزوك أكثر مما أنت فيه، فإن ما ذكرته أسوء وأفظع تفكير على الإطلاق، لقد أصبحت لا تسمع إلا صوتك، وهذا أمر رهيب أن تسمع لصوت نفسك بينما لديك أصوات كثيرة ولا تصغي لما تقول.
– أن نفسي تفتح لصوتي شباك كي يتنفس منه قلبي.
– يا أخي أفهم أمها لا تريد تزويجها برجل في سن أبيها بالإضافة إلى إنك كنت صديقه.
– الأقربون أولى بالمعروف وكذلك أنا خبرة.
– خبرتك تنقص منها ولا تضيف إليها، أخبرني يا متبلد المشاعر، ويا أعمى البصيرة ما الفائدة التي ستعود عليها من خبرتك ذات الباع الطويل في الحياة الزوجية؟ ألا تشعر بفارق خمسة أجيال قد أكلت وشربت من تفاصيلك قبل أن تلد هي؟
– وأنت لو في يوم أحببت لكنت شعرت بي.. أنا أحبها.
– أنت تحبها وهي لا تحبك.. هل الحب بالإكراه؟
– لا.. الحب مشاعر مشتركة بين طرفين.
– وطالما تعلم ذلك.. لماذا تفرض نفسك كعقوبة عليها؟
مد (المتوهم) سفرة المائدة على السجادة وتناول الاكياس وبرطمان به سمن، وطبق صغير به فلفل أحمر مطحون وثلاجة الشاي وكاساته جاهزة على المنضدة الزجاجية ذات الإطار الحديدي المطلي باللون البني.
وأخيرًا تشجع (المتوهم)، وسأله:
– كيف تضع خبرتك مقياسًا لنجاحك في علاقة غير متكافئة؟
تمعن (المنصدم) طويلًا في سؤاله، ثم قال:
– سأعلمها وأربيها.
– وهل وضع الإصبع على الجرح يعني تضميده!؟
– ماذا تقصد؟
– حكايتك بسيطة لكنك تعقدها ولن يفك رباطها إلا أنت وعمومًا دعنا الآن نتقاسم وجبة الإفطار، وأريد أن أذكرك أن أمها – عمتك المستقبلية – واجهتني بين البيوت وهي ساخطة ومستاءة منك، وانذرتني كي أحذرك أن لم تبتعد عن طريق ابنتها ستشكوك للحكيم.
استولت الحماسة على (المنصدم) وأشرق وجهه:
– ما رأيك لو زوجتك بها؟
انفجر (المتوهم) ضاحكًا وفي النهاية قال له:
– أنت تريدها أن تشكونا للحكيم معًا، وبعدين زوج نفسك أولًا، فالخاطب لا يتحدث عن أمور المهر والزواج وفي يده فول وتميس.
الح عليه بالنظرات كي يواصل الكلام ويعطيه الموافقة، فأجابه:
– أم قناعة لو رغبت في الزواج مروحة ثانية لتزوجت من بعد وفاة زوجها، لكنها عائشة على ذكرياته وكأنها لازالت متزوجة به -زوجها الميت- أفطر وأخرجني من هذا الموضوع فأنا راضي وقانع بحالي.
شعر (المنصدم) بشعور وكأن به الخجل، فاعتصم الصمت.

الروح/ صفية باسودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى