مقالات مجد الوطن

حتى متى ؟!

 

 

بقلم / حسين بن سعيد الحسنية

@h_alhasaneih

 

 

أسألك هذا السؤال لأدخل في بعض تفاصيل حياتك، لأناقشك في شيء من أمور اهتماماتك، لأذكرك بما يجب عليك تذكّره دائماً، لأحيي في قلبك بعض مشاعره التي ماتت أو أنها تحتضر، لآخذك إلى عالم آخر غير عالمك، ولمستوى ليس بمستواك الحالي، بل هو أعلى وأسمى، ولأجعلك تكتشف أنّ ما أنت فيه الآن لابد أن يتغيّر، وتدقّق في واقعك الذي طالما عشته مجبراً من غيرك، وتعترف لنفسك ولكل من حولك أنك فعلاً كنت مقصّراً مع نفسك.

 

 

أسألك هذا السؤال لأن ما أنت فيه يكسرك يوماً بعد يوم، ويُضعفك ساعة بعد ساعة، ويُقصيك لحظة بعد لحظة، وإن لم تنتبه لنفسك فتلك – والله – القاضية، ولأنّ اهتماماتك انحرفت، وآمالك قَصُرت، وأهدافك تشتّتت، وإن لم تراجع نفسك حيالها كنت للضياع أقرب، ولأنّك أصبحت راضياً بأرضك، قانعاً بدورك، مطمئناً بهدوئك وبعدك عن من حولك، وإن استمريت في ذلك الشعور فلا شأن لك بعد ذلك كلّه بحياتك كلهّا، ولأنّك لا تعدو أن تكون متأثراً تابعاً مقلداً إمعةً لغيرك تفعل ما يفعلون، وتقول ما يقولون، وتتّبع أثرهم إلى أيّ طريق هم سائرون فيه، فلا رأي لك ولا وجهة نظر ولا استفهام ولا استدراك ولا تحفّظ ولا حتى قرار، وهذه وإن لم تعلم – المصيبة العظمى – يوم أن تعيش معهم في طريق يحققوا من خلالك أهدافهم، ويأخذوا منك ما شاءوا، ويستغلّوا كل ما تملكه لأغراضهم الخاصة، ولأن عقلك خال من الفهم وعاجز عن التفكير ومعطّل عن الإبداع، وقلبك فارغ من الهمّة العالية والعزم على العمل والنية الصالحة الطامحة الجامحة، وصوتك باهت من الأثر الحسّي الذي يسمعه الآخرون، وعينيك جافة من احمرار الحماس ودموع الصبر وحديث العيون، وجوارحك مشلولة من العمل والنشاط وقد تمّكن فيها الكسل والعجز والخور.

 

 

أسألك هذا السؤال لأنّ الحياة قصيرة وهي لا محالة منتهية، ولأنّك في طريقك إلى خاتمتك فكل يوم تعيشه خطوة لك إلى قبرك، ولأن ثمّة أشياء تحاصرك وقد تؤذيك فتوقفك عن ما تريد استباقه أو عمله قبل موتك، فهناك مصالح الناس التي عليك، وهناك الأمراض التي تعتريك، وهناك المهام الدنيوية التي تشغلك وغيرها مما يصرفك عن ما هو أهم وأبقى لك، ولأن لديك ما تستطيع استثماره لصالحك، ولأن المجال فسيح، وفي الأمر متّسع، وأنت لازلت تتنفس، وكل من حولك في حاجة إليك وإلى ما تملك من إمكانات وقدرات، ولأنّ من الناس من يتمنّى بُروزَك، ويحلم بنجاحك، ويرغب في سعادتك، ومنهم من يريد أن يتأسّى بك ويقتدي بأسلوبك، ومنهم من له عليك حقوق عظيمة، ومنها أن تلتفت لحالك وواقعك ومستقبلك، وكذلك هناك ممّن هم حولك يزعجهم ضجيجك، ويغضبهم حضورك وتواجدك، ويسعون إلى رميك في حُفر التيه والنسيان، حتى لا تقوم لك قائمة ولا يبقى لك ذكر عندهم وعند غيرهم.

 

 

نعم.. ومن أجل ما تقدّم، ومن أجلك أنت، كإنسان وكمسلم لك ما لك من حقوق وعليك ما عليك من واجبات.. حتى متى ؟؟!!

 

 

حتى متى تركن إلى الوحدة وتعشق الانطواء وتعيش منعزلاً عن الآخرين دون سبب جوهري واضح لك ولهم؟

 

 

حتى متى وأنت لا همّ لك إلاّ أن تغذّي بطنك وجسدك دون اهتمام بقلبك وروحك ولا حتى جوارحك؟

 

 

حتى متى وأنت تلحق المسؤولية بالظروف والمشاكل التي تواجهها وتقول هي السبب في عجزي وقعودي دون أدنى عمل تقوم به لتقاوم به هذه الظروف والمشاكل؟

 

 

حتى متى وأنت الأخير والبعيد والضعيف والعاجز والمتردّد والمسوّف والمتواكل والفاشل، مع أنك لست كذلك في حقيقة الأمر؟

 

 

حتى متى وأنت العاق لوالديك، القاطع لأرحامك، المسيء لجيرانك، السلبي مع جميع أفراد مجتمعك، الّلامبالي بقضايا أمتك؟

 

 

حتى متى وأنت غائب عن منصّات التأثير ومنابر العطاء، ومواقع التضحيات وأماكن البذل والفِداء، وميادين النفع والفائدة؟

 

 

حتى متى وأنت لا تتعلم ولا تعلّم، ولا تقرأ ولا تكتب، ولا تمتهن لك مهنة ولا تصنع لك صنعة، ولا تزرع لك فسيلة، ولا تضع على محيّاك ابتسامة نقية صافية؟

 

 

حتى متى وأنت تراوح مكانك.. وهمّتك المتراخية تسوقك إلى الوراء، وعزائمك فاترة باردة لم يحرقها لهيب الجديّة والحماس، وأسلوبك في التعامل لم يزل جافاً جامداً مع الجميع، وأخلاقك لا زالت على غير ما هو مطلوب منك أن تتمثّل بها؟

 

 

حتى متى وأنت تخلف الوعد وتنقض العهد، وتكذب في الحديث, وتلعن من أمامك وتغتاب من يغادرك، وتهزأ بموعود الله وتسخر من خلقه، وتنشر الشر وتحارب المعروف وتأمر بالمنكر، وتسعى في الإفساد وتعمل على نشر الرذيلة، وتفتّ في عضد مجتمعك وأمتك، وتجعل من نفسك قدوة للسوء وأسوة في الفساد وإماماً في الباطل؟

 

 

قد تكون هذه المناقشة ثقيلة على قلبك، وهذه الأسئلة قد مرّت على سمعك يوما ًما وأزعجتك، ولكنهّا الحقيقة التي لابدّ أن يكشفها كل منّا للآخر، والاعتراف الذي لابد أن يعترف به كل واحد منّا.

 

 

حتى متى ؟ .. سؤال لمراجعة الذات وتقدير الموقف والاعتراف بالواقع والشعور بالمسؤولية والعزم على التغيير نحو الأفضل، والعيش بالصورة الجميلة في هذه الحياة والسمو بالقيم والأخلاق، والسعي في البذل والعطاء، والعمل على ترك صورة حسنة لدى الجميع، والإعلان الدائم المستمر بأنّ أجمل ما في حياتنا التي نعيشها هو القرب من الله جل وعلا أولاً، ثم العمل على نفع الإنسان لنفسه وللآخرين أيّاً كانوا.

 

 

من كتابي #وحي_الأمكنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى