مقالات مجد الوطن

العُمْر (( ليس )) مجَرَّد رقم

 

بقلم/ حسين بن سعيد الحسنية

@h_alhasaneih

 

أكثر ما يشغل أحدنا ويشعره بشيء من القلق تقدّمه في العمر، وإحساسه بأنّ أشياء كثيرة تغيّرت في حياته، أولها مستوى تفكيره فهو يسعى بأن يكون تفكيره ناضجاً وراقياً يتوافق على الأقل مع عمره، ويترفّع من خلاله عن مرحلة التصابي أو الطيش التي مرَّ بها في حياته ذات يوم، وثانيها طريقة تعاطيه للأمور لحرصه على التوازن في حياته، فلا يقحم نفسه في ما لا قدرة عليه منها، ولا يكرر تلك الاندفاعات التي فعلها بداعي القوة والحماس ولا ينزلُ منزلاً مخلّاً ينقده عليه الآخرون, وثالثها تعامل من حوله معه فهو يجد منهم شيئاً من الاحترام والإجلال لا لذاته مباشرة بل لعمره المتقدّم، لذا فهو يعمل على أن تتوافق تصرفاته مع سنوات عمره مقابلة لتلك المعاملة الإيجابية له من الآخرين.

 

ومع تقدّم أحدنا في العمر فإنّه يقابله أيضاً ظروف أخرى تحتاج منه إلى المضاعفة في الجهد والمتابعة، ككثرة المسؤوليات وتعدّد المطالب والحرص على إنجاز المهام المعطّلة، يضاف إليها وهن الجسد وضعف الأطراف وكثرة الأمراض، يصاحب ذلك كلّه حسرات على ما فات من سنوات كان في مقدوره أن يستثمرها الاستثمار الأمثل والمفيد.

 

إلّا أنّ البعض من أولئك الذين شكّل تقدّمهم في العمر هاجساً يهاجمهم بين الفينة والأخرى يسلّون أنفسهم بمقولة ذاع انتشارها وتكرر تردادها وهي أنّ **( العمر مجرد رقم )*.*

 

فتجد أحدهم لا زال متعلقاً بالدنيا رغم ظهور أمارات قربه من الدار الآخرة بحجّة أنّ **( العمر مجرد رقم )** حتى تغريه هذه المقولة ومن ثم تهوي به في ساحات الندم والحسرات.

 

ويغشى الآخر مواطن الرذيلة ومستنقعات الفساد دون أيّ اعتبار لعمره المتقدّم ولا احترام لسنواته وتاريخه مسليّاً نفسه أيضاً بأنّ *( العمر مجرد رقم ).*

 

وثالث يتخبّط في تصرفاته ويعبث في علاقاته فيتصابى في مزحه ويطيش في حركته ويسيء في كلامه ويتصاغر في كل أحواله ظنّاً منه أنه حُرُّ في ذلك كلّه حتى وإن كان مسنّاً هرماً بداعي أن *( العمر مجرد رقم ).*

 

إلى آخر تلك النماذج التي أصبحت لهم هذه المقولة قاعدة من قواعد الحياة، ولم يعلموا أنّ إيمانهم بها وتصديقهم لها يجرّهم إلى مآلات وخيمة وخواتيم سيئة.

 

وعليه، ينبغي أن نعلم أنّ_** ( العمر – ليس – مجرد رقم )**_ بل هو الحياة التي يجب أن تكون مليئة بالخير والحب والوئام، وهو السنوات التي يجب أن نعيشها ونحن أصحاب عطاء وبذل ومعروف، وهو الشعور بالمسؤولية المستمرة تجاه الخالق أولاً ثم تجاه أنفسنا والآخرين، وهو الإحساس بتقدير الذات وإجلال المكانة واحترام النفس، وهو الأرض التي علينا أن نزرع فيها كل أثرٍ طيّب مبارك يبقى لنا بعد رحيلنا عنه،, بل هو السطور المكتوبة في صحائفنا يوم القيامة، والسعيد حينها من احترم عمره وقدّر حياته، ووجد ذلك أمامه عند الله فنجا وفاز، والشقيّ من اعتقد أن **( العمر مجرد رقم )** فسخّره للشر والباطل والفساد، ووجد ذلك أمامه عند الله فخاب وخسر، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.

 

 

من كتابي #وحي_الأمكنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى