مقالات مجد الوطن

*ما بين الإنسان والحيوان*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من المعلوم أن الله كرَّم ابن آدم، وميَّزه عن بقية خلقه: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر…” الإسراء 70، وسخَّر له بقية المخلوقات؛ لتكون عونا له على هذه الحياة، وعلى استعمار الأرض، ( وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) يس72…

.

 

والمعلوم أن بين الإنسان والحيوان صلة كبيرة، وتعايشًا مستمرًّا، منذ بدء الخلق، وسيستمر ذلك إلى أن تقوم الساعة.

 

فقد كان الحيوان معينا للإنسان وخادما له، ومذللا له بعض الصعاب التي يقابلها: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون …) النحل 5

 

ولأن الحيوان رافق العربي في جميع مراحل حياته الأولى؛ لذا نجد أن كثيرا من أسماء الناس مشتركة بين العربي والحيوان، ومن ذلك أسد وليث وكليب …

 

كما وظفت اللغة العربية الحيوان في كثير من الحكم والأمثال والمقولات المأثورة، فذكرت في كلامها أسماء الحيوانات، وأشارت بها لمواقف بشرية، فخرج المعنى عن حقيقة ألفاظه إلى غرض بلاغي، ومعنى آخر، فجرى مجرى المثل وشاع استعماله، دون تغيير.

أتناول هنا جانبا من ذلك:

 

نالت الإبل -بجميع أنواعها- حظا وافرا من التراث اللغوي للعربي، وذلك لأنها كانت رفيقته في الحل والترحال، ومن ذلك:

*لا ناقة لي فيها ولا جمل*

يضرب لمن يطلب منه الاشتراك في أمر لا يهمه، أو عند التبرؤ من الظلم والإساءة أو أي شيء آخر.

 

*الطيور على أشكالها تقع*

ومعناه أن كل إنسان يجد شبيهه في الطبع والسلوك…

وفيه قال الشاعر:

*وفي السماء طيور اسمها البجع* *إن الطيور على أشكالها تقع*

 

*لا ينتطح فيها عنزان*

والمقصود أن هذا الأمر واضح، لا يختلف عليه اثنان

فلما قتل عثمان رضى الله عنه، قال عدى بن حاتم رضي الله عنه: ” لا ينتطح فيها عنزان ”

وكذلك وردت عن عبدالله بن سلام في فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه:*لَا ‌ينْتَطِحُ فيه شاتان ولا يتناقرُ فيه ديكان*

 

‌ووردت في حديث رواه ابن عساكر بصيغة الجمع : *لا ‌ينتطح فيها عنزات*

 

كتب نجدةُ إلى ابن عباس يسأله عن المهدي، فقال: «إِنَّ اللَّه تعالى هدى هذه الأمة بأوَّل أَهل هذا البيت، ويستنقِذُها بآخرهم، ‌*لا ‌ينتطح فِيه عنزان* جَمَّاءُ وَذَاتُ قَرْنٍ»

 

 

*كانا كفرسي رهان*

بمعنى أن يكون اثنان متنافسين ومتساويين في كل شيء.

وورد في قصة الأخنس بن شريق وأبي سفيان: ” تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب و*كنا كفرسي رهان* قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه.

 

 

*بيضة الديك*

ويقال بيضة الديك للشيء الذي يقع مرة واحدة، واستشهد بها الشاعر بشار بن برد، حين قال مخاطبا محبوبته:

*قد زرتِنا مرة في الدهر واحدة* *ثنّي، ولا تجعليها بيضة الديك*

 

*أبعد من بيض الأنـوق*

والأنوق هي الرخمة

وهي أبعد الطير وَكْرًا، فضربت العرب به المثل في تأكيد بُعْدِ الشيء، قال الشاعر:

*وكُنْتُ إذا اسْتُودِعْتُ سرًّا كَتَمْتُهُ* *كبيض أَنُوقٍ لا يُنَال لها وَكْر*

وقال فيه الفرزدق:

*إذا هي نأتْ عني حَنَنتُ، وَإنْ دَنَتْ* *فأبْعَدُ من بَيْضِ الأنوقِ كَلامُهَا*

 

*هذا الشبل من ذاك الأسد*

ويضرب للابن الذي شابه أباه في خلق ما

 

وغيرها كثير من الأمثال والحكم والأقوال التي ذُكر فيها الحيوان، واستخدامها تعبيرا عن البشر لا يعني تشبيها للبشر بالحيوان، وإنما تشابها في معنى المقول فقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*طارق يسن الطاهر*

*Tyaa67@gmail.com*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى