مقالات مجد الوطن

رحلة الاحلام

 

بقلم : احمد حسين الاعجم

 

هناك..
نعم هناك
وفي ابها الجمال
وعبر عقود من السنوات
كان يتجمع الاف الطلاب

– وكنت احدهم من بداية عام ١٤٠٤ الى نهاية عام ١٤٠٧ –
يأتون من مناطق ومدن وقرى مختلفة
من جازان وبيشة والدواسر والباحة ونجران وظهران الجنوب واحد رفيدة وسراة عبيدة ورنية والمجاردة وغيرها
كانوا يتجمعون للدراسة الجامعية لمدة اربع سنوات
في فرع جامعة الامام محمد بن سعود

وكانوا يقطعون مسافات طويلة وطرق وعرة
يقطعونها باحزانهم على فراق الاهل
وبافراحهم بصناعة المستقبل
حيث تحولت تلك الطرق التي كان يقطعها الطلاب
الى مزارع لاحلامهم
احلام لا يعلم عنها سوى اصحابها !
احلام ينثرون بذورها بالكلمات والنظرات
والضحكات
وبالاهات ايضا !

هناك..
كانت تستقبلهم ابها المدينة بكل ترحاب
فاول وابرز لوحة كانت موجودة وتقابلهم حين يدخلون ابها ولا انساها ابدا مكتوب عليها
( ابها جميلة ..
والجميل ان تبقى جميلة)
ياالله لوحة لا تنسى
وكلمات مليئة بالشاعرية والجمال والخيال
تجعل الكل يعشقون ابها ويحرصون على زيادة جمالها
ثم تستقبلهم ورودها الجميلة واشجارها الخضراء وهي تملأ شوارعها
ثم يستقبلهم مطرها الدائم
الذي يغسل احزان البعد عن الاهل والديرة
ويمنح الارواح اجنحة للسفر في عالم الخيال والجمال

ثم يبدأون في التعرف على ابها
وتفاصيلها الصغيرة
شوارعها ..مركز الحناوي ..مطعم (سمير اميس )..سوق الثلاثاء
ثم اسماء احياءها شمسان الطبجية الخشع والنميص والنمصا والمحالة وغيرها

ثم متنزهاتها القريبة الحزام ..بحيرة السد .. جبل ذرة
ثم متنزهاتها البعيدة السودة ودلغان والفرعا
وهكذا يبدأ التماهي
والشعور بالانتماء لابها
المدينة التي تلبس الخضرة
وتلتحف بالضباب
هناك..
كانت سنوات الدراسة الجامعية الاربع
اجمل ايام العمر
باحلامها وبساطتها
باحداثها وتفاصيلها
بموادها ودكاترتها ومذاكرتها واختباراتها
وبحوثها وكل مصاعبها
وتساؤلاتها ونقاشاتها
وبما اضفته على شخصيات الطلاب من خبرات ووعي شكلت شخصياتهم العملية والاجتماعية
هناك
كانت مكتبة الجامعة والمكتبة العامة بابها
ومعارض الكتاب
ومكتبة تهامة
علامات فارقة في التحصيل العلمي
وبوابات وعي وانفتاح عقلي كبير على العالم
هناك
كان الاسكان الجامعي ( عمارة الراجحي )
وكذلك العِزَب الخاصة
رواية طويلة من الاخوة والمحبة والالفة والتعاون
بين الطلاب من مختلف المناطق
ومن النقاشات الودية والهزلية والجادة
والمزاح
حيث يتم تبادل الزيارات بين سكان السكن الجامعي وسكان العزب
ما أدى الى تشكّل علاقات وذكريات لاتنسى ولا تموت
هناك
كان مطعم السكن الجامعي
ملتقى فريد
بين الزملاء والجيران في السكن
حيث الحوارات وتبادل المعلومات
هناك
كانت ابها بالجمال الذي يسكن كل تفاصيلها
كانت رفيقة السهر والشعر والاغاني وولادة مواهب كثيرة وتحقيق انجازات جميلة
وهناك
كان الاربعاء يوم البهجة والسرور
حيث تشرق شمس الاربعاء
في قلوب الطلاب قبل ان تشرق على الحياة
انه يوم السفر الى (الديرة )
نعم الديرة
ذلك المسمى الملهم للارواح والقلوب
ملهما بتفاصيله الجميلة حيث الالتقاء بالاهل والاصدقاء ..والاحباب
كان الاربعاء قصيدة عشق
واغنية لقاء
ويوم فرح يغمر تفاصيل العمر بكل جميل
كان الطلاب يداومون يوم الاربعاء وهم في غاية الاناقة
وشنطهم في سياراتهم او سيارات اصدقاءهم وزملاءهم رفقاء الطريق
ويحضرون المحاضرات بنفسيات جميلة
وكأنهم في يوم عيد
حيث كان يوم الاربعاء
فعلا يوم عيد بكل تفاصيله
حيث يغادر الطلاب
ومشاعرهم خليط عجيب من الضحك الهستيري
والمزاح الجنوني
والاصوات المتداخلة
والغناء الجماعي
وبتلويح الايادي عند نقاط الافتراق
وبالعناق عند نقاط الالتقاء
يغادر الطلاب
فتملأ السيارات المغادرة كل جهات ابها الاصلية والفرعية
يغادر الطلاب
فتهدأ شوارع ابها واسواقها وشوارعها
وهناك
كان يوم الجمعة
اليوم الصامت الحزين
حيث يتوافد الطلاب الى ابها بنفسيات متعبة
من فراق الاهل والديرة
ومن طول المسافات ووعورة الطرقات
وبمجرد وصولهم ينامون
وبعضهم يصل الى ابها في الصباح حيث يداوم الى الجامعة مباشرة
هناك
كان اسبوع الدراسة
اسبوع حركة ومذاكرة وبحوث وكورة وجلسات في مقاهي ابها القديمة
وايام الاجازة رحلات لدلغان والفرعا
او ذهاب لملعب المحالة لمشاهدة المباريات
والتسوق في خميس مشيط
والسهر على برامج التلفزيون الاسبوعية
في البوفيهات المجاورة !
هناك
شكّل الطلاب ودكاترة الجامعة ومشرفو السكن
وحراس الجامعة وعمال السكن وعمال المطعم
مجتمعا جميلا وبسيطا
حيث ربطتهم علاقات تتجاوز كل الفوارق
لتلتقي في الانسانية فقط
حتى مع وجود الخلافات الحياتية الطبيعية

هناك
ومن هناك
تخرج الاف الطلاب جيلا بعد جيل
وانطلقوا في طرقات الحياة
المختلفة
لكنهم احتفظوا بالذكريات
وبصور خالدة للمكان ابها
والزمان الدراسة الجامعية
والانسان الزملاء والدكاترة
فكثيرا ما نلتقي ببعض الوجوه التي جمعتنا بها مقاعد الدراسة او ردهات الجامعة او السكن
وبعد غياب عقود نلتقي بهم فجأة في الاسواق
او في الحرم
او في المستشفيات
ونستحضر كل التفاصيل خلال لحظات ضوئية
هناك
قامت حياة مليئة بالحركة والحيوية والاحداث والذكريات
ومن هناك
صُنعت حياة الاف الطلاب
وحيوات كثيرة
من خلال الطلاب
واكاد اجزم ان كل من درس الجامعة في ابها وعاد لابها مع اسرته او اصدقاءه
قد حدث ابناءه واصدقاءه
هنا درست هنا سكنت
وهنا تمشيت وهنا وهنا
فذكريات الدراسة الجامعية لا تنسى

هناك .. في ابها
حضر الكثير
ثم غابوا
وبقي ويبقى اسم ( ابها )
خالدا في النفوس
لارتباطه بمرحلة الدراسة الجامعية
ورحلة تحقيق الاحلام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى