مقالات مجد الوطن

عِيْش !

 

بقلم : احمد حسين الاعجم

 

عِيْش فتاة

تسكن قرية نائية و تنتمي لاسرة فقيرة

مكونة من والدها ووالدتها واخ شقيق في المرحلة المتوسطة

اسرة تعيش على قد حالها والدها يمتلك مجموعة من الضأن يربيها ويبيع ويشتري فيها

ولديهم بقرة يعتاشون منها ويبيعون من سمنها

اسرة يجمعها حب كبير

وارواح جميلة مليئة بالرضى والقناعة

تخرجت عيش من الثانوية بنسب عالية في الثانوية والقدرات والتحصيلي

وبعد التخرج من الثانوية ارادت ان تسجل في الجامعة والدراسة في الجامعة تحتاج مصاريف والتزامات وفي جلسة اسرية بسيطة ومليئة بالحب طلبت عيش من والدها جوال جديد للجامعة فسألها بكم الجوال قالت له : يمكن بثلاثة الف

فقال الوالد : وميان اجي بثلاثة الف

والله يبوك لو ابيع أمّك ما تسوى ثلاثة الف

فدخلا عيش وشقيقها يحي في موجة ضحك

بينما ردت الام قائلة : نبيعك انته ونعيّن كم تسوى والله ماتسوى ربع ريال

وسط ضحكات عيش ويحي وابوهما

 

وبعد ايام سوّق الاب باثنين روس من الضان وباعها

ثم ذهب الى احد اصدقاءه المقربين في القرية واخذ منه مبلغا من المال لتكملة ثمن الجوال

واستاجر سيارة وذهبوا جميعا الى جازان واشترى لها جوال ايفون

وكان اول جوال حديث تستخدمه

وبدأت تتعلم له من خلال جارتها وصديقتها صفية التي قد تخرجت من الجامعة

وبعد فترة بدأ التسجيل في الجامعة وذهبت عيش الى مكتبة في جازان حيث سجلت واختارت تخصص ادارة اعمال

ثم طلبت عيش من والدها ان يذهب الى قرية مجاورة ليحجز لها مع العم اسماعيل صاحب الباص لتداوم معه الى الجامعة

كما قالت لها صفية

وفعلا ذهب الوالد وحجز لها مقعد

ومع اقتراب الدراسة ذهبت الاسرة الى جازان مرة اخرى لفتح حساب بنكي لعيش

ولشراء ملابس للجامعة لها

ثم انطلقت الدراسة في الجامعة

وكانت مرحلة جديدة وتجربة جديدة على عيش حيث كانت عيش تفكر كثيرا في المكافأة الجامعية وتخطط لمساعدة اسرتها بها والاستمتاع بشراء ما تريد

وتتعرف على مدينة جازان

وتتعرف على بنات جدد

وانطلقت رحلة عيش مع الدوام حيث تقطع يوميا ساعة وربع ذهابا ومثلها ايابا

وبدأت عيش تتعرف على بنات من القرى المجاورة يشاركنها نفس الباص وبعضهن متقدمات في الجامعة

وبدأت تتعلم منهن انظمة الجامعة والمحاضرات والاختبارات والمعدّل

وسمعت لاول مرة كلمة ( بريك )

وايضا طبيعة الحياة داخل المجمع الاكاديمي بجازان

وايضا بدأت تتعرف على زميلات لها بنفس التخصص من مختلف المدن والقرى

وكانت اكبر صدمة لعيش الجدول

حيث كانت عيش تخلص احيانا عشرة صباحا وتنتظر الباص حتى الثالثة عصرا

لأن الباص يعود مع اخر وحدة تخلص محاضراتها من البنات

لكنها وجدت ايضا من يشاركنها نفس المعاناة

حيث كانت عيش ومعها اخريات يتخذن لهن زاوية من المبنى وينمن لتجزية الوقت

و بدأت عيش (تسمع ) من بنات المدن

عن مقهى ( ستار بكس )

ومقهى ( كوف ) و ( دانكن)

وعن مطعم ( توست ات )

وايضا مطعم (ماك ) ومطعم (قصر غمدان)

وايضا سمعت عن مكتبة جرير

وهذه الاسماء كانت تشكل عالم الطالبات في البريك

وايضا بدأت تسمع عن محلات العناية بالبشرة

في الراشد وكادي مول

وعن المبالغ الكبيرة التي تنفقها الطالبات في الشراء من هذه المحلات

حيث بدأن البنات بمحاولة اقناعها باهمية ادوات التجميل والبشرة

فتقول لهن عيش :

وانا ميان لي فلوس اشتري هذا كله

فيقلن لها : من المكافأة

قالت :

المكافأة منها ست مية لعمي اسماعيل راعي الباص وتبقى لي ثلاث مية

اطعم بوية وامي وحبيبي يحي اخوية منها والباقي لي

وانا فنّ ياسيدي وما احتاج كريماتكن

والفن فن له قايم من النوم

وتضحك

كانت تتكلم بصدق ورضى وثقة

ودون ادنى حرج

انصدمن البنات من وضع عيش

لكنهن اعجبن بثقتها بنفسها

فهن على الاقل المكافأة لهن لشراء مايردن

حتى المواصلات لا يدفعنها منها بل ياخذن حقها من اسرهن

لكن البنات كن يحببن عيش لطيبتها

عاشت عيش في الجامعة على طبيعتها البسيطة والمرحة

فكانت تسمي البريك ( فسحة)والكلاس ( صف )

والبنات يضحكن منها

لكن شخصيتها البسيطة والجميلة جذبت الكثير من البنات اليها

الا ان عيش كانت ترفض الخروج معهن الى الاسواق ولا تخرج من الجامعة الا الى البيت

لأنها ومن خلال احاديث البنات عرفت ان المطاعم والكافيهات ومحلات المكياج ليست لامثالها

فهي لا تملك فلوس لشراء قهوة او سندوتش بعشرين ريال

فكانت تجلس فترة البريكات على جوالها او تذاكر

وكان يجلس معها فتاتان معها في الباص وهما صالحة وخديجة

ومن خلال احاديثهن اكتشفت عيش ان ظروفهما مثل ظروفها وانهما في السنة الاولى مثلها وهو مازاد القرب بينهن

حيث بدأن يخططن مع بعض واتفقن على ان يذهبن مع كل مكافأة الى مكان

مرة الى جرير ومرة الى ستاربكس ومرة ماك وهكذا

فقط كل شهر مع المكافأة

وفعلا بدأن يستمتعن بهذا النظام حيث يبقين يخططن بسعادة كبيرة لتفاصيل الخروج القادم وينتظرنه بشغف ويعشن لحظاته بسعادة غامرة

وكانت اول زيارة الى ماك حيث انصدمن ان الوجبة بثلاثين ريال تقريبا

فقالت عيش : بثلاثين وحتى ماشي معاها ايدام ولا رز

خبزة ودجاجة وقوطة

ودخلن في ضحكة هستيرية

ولما روّحت حكت قصة ماك لاهلها فضحك ابوها وضحكت امها بينما قلّها يحي المرة الجاية اشتري لي معاك يا عيش فردت عيش قائلة: على عيني يايحي

وفي الشهر الثاني ذهبن الى ستاربكس

واحتاروا في الاختيار ثم اختاروا من الورقة ( المنيو)

وانصدمن ان القهوة بحليب

فقال عيش : والله ياقهوة امي انها احسن منها

ياسين على فلوسنا

وخرجن وهن يضحكن ويرددن : قهوة بحليب

وقالت خديجة بنات الشهر الجاي جرير

قلن لها عيش وصالحة : ماهو تشين بجرير

قالت : ابغى قصص

وخلونا نتفرج عندهم جوالات فن وحاسب آلي

وحاجات حلوة

واتفقن على زيارة جرير

وفي يوم وهن في بريك

وجالسات يتحدثن انضم اليهم عدد من البنات

واثناء الحديث قالت احدى البنات : ان ابوها حولّها خمسة الاف على حسابها على شان تشتري آيباد

فتبادلت عيش وصالحة وخديجة النظرات بصمت

وفي الباص قالت خديجة لصالحة وعيش :

بنات تخيلوا حسابك فيه خمسة الاف

قالت عيش : يغمى عليّه

وقالت صالحة : ابطّل من الجامعة واشتري لي بها

بقرة وضان

ودخلن في ضحكة هستيرية طويلة

بعد ذلك تعرفت صالحة وعيش وخديجة على مواقع الشراء عبر النت مثل شي ان ونون وغيرها وبدأن يطلبن منها لانها ارخص واوفر

ثم جاء دور مكتبة جرير ،

 

وفعلا ذهبن الى مكتبة جرير

وحينما دخلن تطايرت عيونهن وهن يشاهدن الجوالات وكل وحدة تدق الثانية بذراعها وتقول لها : عيني عيني ذا الجوال يجنن

ثم ذهبن لمحل الحاسبات والايباد وخديجة تقول : مساكين المحاسبين يحسبنّا شنشتري واحنا كل اللي معانا ما تاجي مية ريال

ومررن بكل اقسام جرير

الاثاث المكتبي وقسم ادوات الرسم

والحقائب والادوات المدرسية

ثم الى قسم الكتب حيث اشترت خديجة احدى القصص وخرجن تغمرهن السعادة بقضاء وقت جميل في استكشاف عالم مكتبة جرير الذي تتحدث عنه الطالبات باعجاب ،

وفي يوم وهن جالسات في بريك

جلست بجانبهن فتاة قاصة قصة غريبة اشبه بولد

وقالت لهن : تتابعن (الانمي )

فتلفتن لبعضهن بدهشة وقالت صالحة : ماهو الانمي

فاخرجت الطالبة من حقيبتها صور لتريهن

فانصدمن ونظرن لبعض باستغراب وقلن لها : لا لا ما نعرفها

فقامت الفتاة وذهبت

ودخلن صالحة وعيش وخديجة في ضحكة هستيرية

وعيش تقول : الكراتين قد اسمها انمي

قالت صالحة : ناس فاضية وربي مريّح عليهن

لو هي تروّح تكنّس وتمهش وتنظّف ما قعدت تتابع كراتين

قالت خديجة : لا ومحلّقه شعرها مثلهن.

ومضت السنة الاولى بسعادة كبيرة ونتائج ممتازة لعيش وصالحة وخديجة

حيث استمتعن باجازة طويلة كانت عيش تقول للبنات : احلى مافي الاجازة ان المكافأة صافية وليس فيها مبلغ الباص

ويؤيدنها صالحة وخديجة

بقولهن : ايوالله صادقة

تحسين المكافأة تسعة الف مهي تسعمئة

ويضحكن بسعادة

وكن عيش وصالحة وخديجة يذهبن ايام المكافأة مع اسرهن الى المطاعم التي كن يحدثن اسرهن عنها في جازان

لمشاركتهم السعادة التي عاشوها ايام الدراسة

وبدأت السنة الثانية بنفس النظام لكل من عيش وصالحة وخديجة

اهتمام بالدراسة وتنظيم دقيق للصرف

ومضت السنوات الثلاث سريعا

وهن يمارسن حياتهن بطريقتهن رغم صعوبة ظروفهن ورغم البيئة المحيطة التي تشعرهن بالفوارق بينهن وبين بنات المدن الا انهن عشن المرحلة بسعادة كبيرة هن من صنعن تفاصيلها وحدودها بقناعاتهن وثقتهن بانفسهن

حتى تخرجن من الجامعة

وبقين متواصلات يتزاورن ويتجمعن باستمرار

وكانت عيش تقول لهن :

بنات دراسة ودرسنا

ووظيفة وما حصلنا

ماهو الحل ؟

قالت صالحة :

الحل الجواز

فضحكن جميعا

وقالت خديجة :

والله صادقة ياصالحة

الجواز ولا هذي الحالة

ويرفعن ايديهن معا ويرددن : يارب الجواز ولا هذي الحالة

ويستغرقن في ضحكة طويلة

تعبر عن نفوس طيبة وجميلة تنظر للحياة وتعيشها بقناعة وواقعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى