مقالات مجد الوطن

أرز

 

محمد الرياني

 

نامُوا نومًا طويلًا، جاء الشتاءُ باردًا وقارسًا ، فتحوا أعينَهم جوعى في الصباح يريدون شيئًا يقتاتون منه، بطونُهم تصدر صريرًا وأنينًا، عادوا إلى قِدرِ الأرزِ الذي تناولوا منه غداءهم أمس، لايزال فيه أقلُّ من النصف بقليل، تفوحُ منه نكهةٌ ولذةٌ أفضلُ منه في وقته، وضعتْ أمهم القدرَ على الموقد، تأخرتْ في العثورِ عن عودِ ثقابٍ لتشعلَ الموقدَ الذي يعمل بالجاز، بحثتْ حتى وجدتْ صندوقَ كبريتٍ قديمٍ فيه ثلاثةُ عيدانِ ثقاب، رفضَ الأولُ أن يعملَ واكتفى بإخراجِ صوتٍ غريبٍ ورائحةٍ نفاذة ، أشعلتِ الآخرَ فلم يعمل الموقد ، تفقدتْ حوضَ الجازِ فوجدتْه فارغًا ، تناولتْ زجاجةً معلقةً بعيدةً عن متناولِ الصغارِ وأفرغتْ مافيها في الحوضِ الذي تشربُ منه فتائلُ الإشعالِ فانطلقَ لهبُ الموقدِ بالعودِ الثالثِ لأن الهواء أطفأ العودَ الثاني، بدأتْ رائحةُ الأرزِ تخرجُ من القدرِ والصغارُ حرسٌ حولها ، بدأتْ أمهم تحركُ الطعامَ بالملعقةِ وصوتُ الملعقةِ يضربُ في قاعِ القدر ليحركَ ماالتصقَ بالقدر ، أمسكتِ القدرَ بخرقةٍ قديمةٍ معها ووضعتْها على الأرض، الأرضٌ باردةٌ عندما جلسوا عليها في الظِّل ، أفطروا أرزًا من بقايا الغداءِ وشربوا عليه شايًا، كانوا في غايةِ السَّعادة، بقيتْ حباتٌ من الأرزِ في القدرِ فقاموا بنثرِها على الأرضِ لأن عصافيرَ الصباحِ الجوعى بدأتْ بالتجمهرِ والتجمُّعِ حولهم، بقوا يستمتعون بمنظرِ العصافيرِ وهي تلتقطُ حبَّاتِ الأرزِ ولسانُ حالها يشكرهم ، أعادتْ أمُّهم القدرَ إلى مكانها بعدما غسلتْها وعينُها على مابقيَ في الكيسِ كي تصنعَ لهم غداءً يفطرون منه في اليوم التالي ويطعمون العصافير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى