مقالات مجد الوطن

جُزُرُ فِرْسَانْ (مَالْدِيفْ اَلسُّعُودِيَّةَ) 

 

بقلم ✍🏻 الزاهد النعمي

 

زَمَنٌ طَوِيلٌ وَأَنَا كُلَّمَا أَنْوِي اَلذَّهَابُ إِلَيْهَا يَشْغَلُنِي شَاغِلٌ حَتَّى اَلزَّمَنِيُّ بَحْثٌ أَعْكُفُ عَلَيْهِ هَذِهِ اَلْفَتْرَةِ بِزِيَارَةِ بَعْضِ مَعَالِمِهَا اَلْأَثَرِيَّةِ فَتَمَكَّنَتْ هَذَا اَلْأُسْبُوعِ مِنْ زِيَارَتِهَا لِأَوَّلِ مَرَّةِ وَالْحَقِيقَةِ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُ كُلُّ هَذَا اَلْجَمَالِ اَلْخَلَّابِ وَالطَّبِيعَةِ اَلْمُتَمَيِّزَةِ وَالْأَجْوَاءِ اَلسَّاحِرَةِ وَالْخِدْمَاتِ اَلْمُقَدَّمَةِ وَالْإِمْكَانَاتِ اَلسِّيَاحِيَّةِ اَلْمُتَاحَةِ فِي جُزُرِ فِرْسَانْ . لَمْ يَتَطَلَّبْ اَلْأَمْرُ سِوَى دَقَائِقَ لِلدُّخُولِ إِلَى مَوْقِعِ اَلْهَيْئَةِ اَلْعَامَّةِ لِلنَّقْلِ وَحَجْزِ تَذْكِرَةِ صُعُودٍ عَلَى عِبَارَةِ فُرْسَانِ لَنَا وَلِسَيَّارَتِنَا.

فَجْرُ اَلسَّبْتِ اِنْطَلَقْنَا إِلَى مِينَاءِ جَازَانْ وَعِنْدَ اَلْبَوَّابَةِ تَوَجَّهَتْ إِلَى رَجُلِ اَلْأَمْنِ اَلْمَسْؤُولِ لَأَسَالَهُ كَيْفَ وَمِنْ أَيْنَ اَلدُّخُولُ فَأَنَا أَوَّلُ مَرَّةٍ أُسَافِرُ إِلَى فُرْسَانٍ فَأَجَابَنِي وَالِابْتِسَامَةُ تَعْلُو مُحَيَّاهُ : إِنَّ كُنْتَ بِسَيَّارَتِكَ فَتُفَضِّل مِنْ هُنَا وَإِلَّا فَانْتَظَرَ اَلْبَاصُ اَلْمُخَصَّصُ لِنَقُلْكُمْ حَتَّى اَلصَّالَةِ وَأَهْلاً وَسَهْلاً .

وَصَلْنَا صَالَةُ اَلْمُغَادَرَةِ وَجَلَسْنَا عَلَى أَحَدِ اَلْكَرَاسِيِّ بِالْقُرْبِ مِنَّا أَحَدَ اَلْمُوَظَّفِينَ يَقْلِبُ أَوْرَاقًا بِيَدِهِ وَكَأَنَّمَا لَمَّحَ قَلَقِي فَسَأَلَنِي مَتَّىْ رِحْلَتَكَ؟ قَلَّتْ اَلثَّامِنَةُ . . بِسَيَّارَتِكَ ؟ قَلَّتْ نَعِمَ . . وَأيِنْ هِيَ ؟ قَلَّتْ بِالْمَوَاقِفِ؟ قَالَ : دَعْ اَلْعَائِلَةِ تَنْتَظِرُ فِي صَالَةِ اَلنِّسَاءِ وَتَعَالٍ مَعِي وَأَرْشَدَنِي إِلَى مَسَارِ اَلسَّيَّارَاتِ اَلْحَجْزِ اَلْمُؤَكَّدِ وَمَاذَا عَلِي فِعْلِهِ حَتَّى اَلدُّخُولِ اَلْعِبَارَةِ وَفِي اَلْمَسَارِ لَحِقَتْ بِي مَجْمُوعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ اَلسَّيَّارَاتِ اَلرِّيَاضِيَّةِ اَلْفَارِهَةِ فِيرَارِي وَبِوِرَشِ وَمَارْكَات أُخْرَى عَلِمَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ فَرِيقٌ اِسْتِعْرَاضِيٌّ وَمَجْمُوعَةٌ مِنْ اَلْمَشَاهِيرِ ضِمْنَ بَرَامِجِ سِيَاحَةٍ فِي مُحَافَظَاتِ اَلْمِنْطَقَةِ وَمِنْ بَيْنِهَا فُرْسَانٌ قَالَ أَحَدُهُمْ سَنَمْضِي اَلْيَوْمِ فِي فُرْسَانٍ فِي خِتَامِ جَوْلَتِنَا وَغَدًا نَتَوَجَّهُ إِلَى جُدَّةَ و اِنْطَلَقَتْ عِبَارَةَ فُرْسَانِ اَلْفَاخِرَةِ بِكُلِّ مَا فِيهَا وَاَلَّتِي أَقُلْ مَا يُقَالُ عَنْهَا أَنَّهَا نَمُوذَجٌ عَظِيمٌ لِمَا تُقَدِّمُهُ دَوْلَتُنَا اَلْعُظْمَى لِمُوَاطِنِيهَا وَفِي سَبِيلِ رَاحَتِهِمْ، وِرْفَاهْهَّمْ، وَبِكُلِّ فَخْرٍ، وَاعْتِزَاز .

وَصَلْنَا جَزِيرَةٌ فِرْسَانْ وَكَانَ فِي اِسْتِقْبَالِنَا صَدِيقِي الاستاذ هِشَامْ فُرْسَانِي أَحَدَ مَنْسُوبِي اَلتَّعْلِيمِ وَقَائِدِ فِرَقٍ تَطَوُّعِيٍّ فِي فُرْسَانِ أَخْذَنَا إِلَى أَحَدِ اَلْفَنَادِقِ وَسَطَ اَلْمَدِينَةِ لِلسَّكَنِ ثُمَّ إِلَى مَطْعَمٍ لِلْغَدَاءِ وَهُنَاكَ بِالصُّدْفَةِ اِلْتَقَيْتَ صَدِيقِي الاستاذ عُثْمَانْ حُمْقُ عضو لَجْنَةِ اَلسِّيَاحَةِ بِالْمُحَافَظَةِ وَلَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْ طَيِّبٍ وَكَرَّمَ أَهْلُ فُرْسَانِ وَدَمَاثَةِ خَلْقِهِمْ وَرُقِيُّ تَعَامُلِهِمْ وَنُبْلِهِمْ فَبِهِ وَبِمَا هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عَرَفُوا وَاشْتَهَرُوا وَطَبَعُوهُ بِلُطْفٍ وَعُمْقٍ فِي قُلُوبِ كُلٍّ مِنْ عَرَفَهُمْ وَتَعَامَلَ مَعَهُمْ.

فِي جَوْلَتِي كُنْتَ اِسْتَهْدَفَ زِيَارَةَ مَسْجِدِ اَلنَّجْدِيّ اَلتَّارِيخِيِّ وَبَيْتِ اَلرِّفَاعِي اَلْأَثَرِيَّ وَالْقَلْعَةِ اَلْعُثْمَانِيَّةِ وَقَرْيَةُ اَلْقَصَّارْ اَلْقَدِيمَةِ فخَطَّطَتْ لِقَضَاءِ يَوْمٍ واحد فِي فُرْسَانٍ غَيْرِ أَنَّ أَجْوَاءَهَا وَطَبِيعَتَهَا اَلسَّاحِرَةَ أَجْبَرَتْنَا عَلَى اَلْبَقَاءِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْلَا اِرْتِبَاطَاتٌ أُخْرَى لَبَقِينَا حَتَّى نِهَايَةِ اَلْأُسْبُوعِ وأَبَدًا لَمْ أَتَوَقَّعْ أَنْ أُشَاهِدَ تِلْكَ اَلْمَنَاظِرِ اَلطَّبِيعِيَّةِ اَلَّتِي هِيَ أَشْبَهُ بِشَوَاطِئَ اَلْمَالْدِيفْ فِي اَلْمُحِيطِ اَلْهِنْدِيِّ وَاَلَّتِي لَطَالَمَا حَلَمَتْ بِزِيَارَتِهَا بَعْدَ أَنْ شَاهَدَتْهَا عَلَى اَلْيَوَتِيوبْ وَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَقْضِيَ فِيهَا لَوْ يَوْمًا مِنْ حَيَاتِي وَإِذَا بِي أَجِدهَا وَارَاهَا عِيَانًا فِي شَاطِئٍ ( رَأْسُ اَلْغُولْ ) وَفِي ( صَيَّرَ ) فِي جُزُرِ فِرْسَانْ وَعَلَى بُعْدِ 80 كَيْلَا مِنْ جَازَانْ ؟!.

تَحْتَ جِسْرِ اَلْمَعَادِي لَوْحَةً مِنْ اَلْجَمَالِ لَا يَرْسُمُهَا إِلَّا اَلرَّحْمَنَ جُلُّ شَأْنِهِ وَتُبَارِكُ خُلُقَهُ وَعَظِيم صُنْعِهِ فَزُرْقَةَ لِلْبَحْرِ بِكُلِّ دَرَجَاتِهَا تَخَضَّبَتْ بِحُمْرَةٍ وَخُضْرَةٍ وَشَيْءٍ مِنْ بَنَفْسَجٍ وَبَعْضَهَا كَالْفَيْرُوزْ تُحَفهَا رِمَالٌ نَاعِمَةٌ يَكَادَ سِنًّا بَيَاضُهَا يَخْطِفُ بَصَرُكَ يُدَاعِبُ نَسِيمْ لَا يَجْرَحُ صَمْتَ اَلْمَكَانِ إِلَّا هَدِيرُ اَلْبَحْرِ وَزَقْزَقَةِ اَلْبَلَابِلِ يَلْفِتُكَ اِنْقِضَاضُ اَلنَّوَارِسِ أَوْ تَحْلِيقِ اَلصُّقُورِ فَوْقَ اَلشُّورَى وَالْقَنْدَلْ لِتَسْتَفِيقَ مِنْ حُلْمِ وَاقِعٍ وَسِحْرٍ طَبِيعِيٍّ .

فَجْرُ اَلْأَحَدِ مَضَيْنَا نَطْلُبُ أَرْخَبِيلُ اَلْجُزُرِ نَتَوَغَّلُ جَنُوبًا وَنَمِيلُ غَرْبًا نَحْو اَلسَّقِيدْ وَأُمَّ اَلسِّلْمِ وَابُوطُوقْ وَخْتَبْ وَمَعَ كُلِّ كَيْلٍ نَقْطَعُهُ تُجْبِرُنَا خُبُوتِهَّا اَلْبِكْرَ اَلْمُوَشَّحَةُ بِخُضْرَةِ اَلرَّبِيعِ عَلَى اَلتَّوَقُّفِ وَالرَّكْضِ فَوْقَ رِمَالِ حَصْبَاؤُهَا بَلَّلَهَا اَلْمَطَرُ نَسْتَنْشِقُ أَنْفَاسُهَا اَلْعَطِرَةُ تَجَاذُبَنَا خُضْرَة اَلرَّوْضِ اَلْمُتَنَاثِرَةِ هُنَا وَهُنَاكَ بَعْضهَا حَفَّتْ بِنَخِيلِ وَآخَرُ اِحْتَمَتْ بِسُمْرً وَسِدْر وَسَلَامٍ .

وَاصَلْنَا اَلتَّقَدُّمُ جَنُوبًا حَتَّى اِنْتَهَى بِنَا اَلطَّرِيقُ فِي صَيَّرَ بَعْدَ مَرَرْنَا بِمُعْظَمِ اَلْقُرَى اَلْقَرِيبَةِ مِنْهُ كَانَ اَلْهُدُوءُ يَسُودُ اَلْمَكَانُ وَالْمُمَيَّزُ عَلَى صِغَرِهَا تَنْعَمُ بِمُعْظَمِ اَلْخِدْمَاتِ اَلَّتِي وَفَّرَتْهَا لَهُمْ اَلدَّوْلَةُ فَكُلّ طُرُقِهَا وَأَزِقَّتِهَا مُعَبَّدَةٌ أُمًّا بِالْأَسْفَلْتِ أَوْ مَرْصُوفَةٍ بِالْبَلَاطِ نَاهِيكَ عَنْ اَلنَّظَافَةِ وَالْكَهْرَبَاءِ وَأَبْرَاجِ اَلِاتِّصَالَاتِ وَمَدَارِسَ بِنِين وَبَنَاتِ وَمَلَاعِبَ رِيَاضِيَّةٍ مُجَهَّزَةٍ حَتَّى بِكَرَاسِيِّ اَلْجُمْهُورِ وَمُصَلِّيَاتِ عِيدٍ مَرْصُوفَةٍ وَمَقَابِرَ مُسَوَّرَةٍ وَكَّلَ فِيهَا عَلَى اَلْوَجْهِ اَلْأَمْثَلِ وَالْأَجْمَلِ .

بُعْدُ اَلظُّهْرِ رَجَعْنَا عَلَى نَفْسِ اَلطَّرِيقِ شَمَالاً نَتَلَفَّتُ يُمْنَةٌ وَيُسْرٌ نَرْقُبُ اَلْغَابَاتُ اَلْقَرِيبَةُ لَعَلَّنَا نَصْدِفَ إِحْدَى اَلْغِزْلَانِ فَقَطْ لَفَتَ اِنْتِبَاهُنَا لَوْحَةً كُتِبَ عَلَيْهَا ( مِنْطَقَةُ عُبُورِ غِزْلَانْ ) وَرَغْمِ مُحَاوَلَاتِنَا اَلِاقْتِرَابَ مِنْ تِلْكَ اَلْمَحْمِيَّاتِ لَكِنْ لَمْ نَعْثُرْ عَلَى غَزَالْ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي أَثَارَ لَدَيْنَا شَيْئًا مِنْ اَلْحَيْرَةِ وَالتَّسَاؤُلَاتِ هَلْ اِنْقَرَضَتْ أَوْ أَنَّهَا فِي مَخَابِئَ أَوْ فِي أَمَاكِنَ أَبْعَدَ ؟ ! ، مَرَرْنَا بِأَحَدِ اَلْكَشَكَاتْ عَلَى اَلطَّرِيقِ وَسَالَتْ اَلْبَائِعَ أَيْنَ نَجِدُ اَلْغِزْلَانُ قَالَ نَقَلَتْ إِلَى مَحْمِيَّةِ اَلْقَصَّارْ تَوَجَّهَ إِلَى مَكْتَبِ هَيْئَةِ اَلْحَيَاةِ اَلْفِطْرِيَّةِ . وَصَلْنَا فُرْسَانُ اَلْمَدِينَةِ عِنْد اَلثَّانِيَة وَالنِّصْفَ ظُهْرًا كَانَتْ اَلْحَرَكَةُ فِي ذُرْوَتِهِ نَشَاطُهَا فِي سُوقِ اَلْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِمَّا هِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ اَلظُّهْرِ فَسُكَّان جُزُرِ فِرْسَانْ لَا يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ عِشْرِينَ أَلْفَ نَسَمَةٍ سُكَّانًا وَزُوَّارًا.

بَعْدٌ صَلَاةِ اَلْعَصْرِ تَوَجَّهَتْ إِلَى مَكْتَبِ اَلْحَجْزِ لِحَجْزِ رِحْلَةِ اَلْمُغَادَرَةِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مُوَظَّفِينَ لِخِدْمَةِ اَلْمُسَافِرِينَ عَلَيْهَا أَعْطَانَا أَحَدُهُمْ رَقْمًا فِي اَلدَّوْرِ لَمْ يَأْخُذْ اَلْأَمْرُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ سَاعَةٍ لِاسْتِلَامِ تَذَاكِرِ اَلْعَوْدَةِ وَشَحْنِ اَلسَّيَّارَةِ وَكُلِّ ذَلِكَ مَجَّانًا وَبَعْد صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ خَرَجْنَا لِلتَّنَزُّهِ عَلَى شَاطِئِ اَلْغَدِيرِ وَكَانَ اَلْأَقْرَبُ وَالْأَكْثَرَ اِرْتِيَادًا وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ مُزْدَوِجًا مُضَاءً تُزَيِّنُهُ عُقُودٌ خَضْرَاءُ عَلَى شَكْلِ خِيَامٍ مُطَعَّمَةٍ بِقَنَادِيلَ بَيْضَاءٍ عَلَى جَنَبَاتِهَا وَيَنْتَهِي إِلَى دُوَارٍ يَتَوَسَّطُهُ مُجَسَّمٌ عَلَى شَكْلِ سَمَكَةٍ بَيْضَاءٍ كَبِيرَةٍ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ اِتِّجَاهَيْنِ أَحَدُهُمَا إِلَى فُنْدُقٍ فَخْمٍ بِشَالِيهَاتٍ مُطِلَّةٍ عَلَى اَلْبَحْرِ وَالْآخَرِ إِلَى مِنْطَقَةِ اَلشَّاطِئِ اَلْمُقَسَّمَةِ فَأَوَّلهَا حَدِيقَة عَامَّةٍ كَأَجْمَل مَا تَكُونُ وَبِهَا كُلُّ اَلْخِدْمَاتِ وَيْلَهَا سَاحَةً مُدْرَجَةً لِلِاحْتِفَالَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ كَمَوْسِمِ اَلْحَرِيدْ وَبَقِيَّةِ اَلْأَقْسَامِ مَلَاعِبَ رِيَاضِيَّةً لِلْقَدَمِ وَالطَّائِرَةِ وَأَلْعَابِ اَلْقُوَى مُجَهَّزَةً وَمُحَاطَةً بِمَمْشَى طَوِيلٍ مَرْصُوفٍ أَمَّا اَلْجُزْءُ اَلْمُطِلُّ عَلَى اَلْبَحْرِ فَتَرَكَتْ رِمَالُهُ كَمَا هِيَ لِمَزِيدٍ مِنْ اَلْمُتْعَةِ وَتَنَفَّسَ اَلنَّسَمَاتِ اَلْعَذَابُ وَضَوْءُ اَلْهِلَالِ اَلْمُنْعَكِسَةِ عَلَى أَمْوَاجِ اَلْبَحْرِ اَلْمُتَرَاقِصَةِ مَضَى بِنَا اَلْمَشْهَدُ وَالْوَقْتُ حَتَّى لَمٍّ نَنْتَبِهُ إِلَّا مُنْتَصَفُ اَللَّيْلَةِ .

فِي صَبَاحِ يَوْمِ اَلْإِثْنَيْنِ وَبَعْدَ اَلْإِفْطَارِ اِتَّجَهْنَا فَوْرًا نَحْوَ مَكْتَبِ هَيْئَةِ حِمَايَةِ اَلْحَيَاةِ اَلْفِطْرِيَّةِ وَهُنَاكَ قَابَلْنَا أَحَدُ اَلْمُوَظَّفِينَ سَأَلَتْهُ كَيْفَ يُمْكِنُنَا مَشَاهِدَ اَلْغِزْلَانِ وَايِنْ؟ قَالَ : بِكُلِّ سُرُورِ وَسَعَادَةِ وَالْجَمِيعُ هُنَا لِخِدْمَتِكُمْ ثُمَّ طَلَبَ بَعْضُ اَلْمَعْلُومَاتِ عَنَّا وَعَنْ اَلسَّيَّارَةِ وَدُونهَا فِي سِجِلِّ أَمَامَهُ وَاتَّصَلَ بِأَحَدِ أَفْرَادِ اَلدَّوْرِيَّاتِ لِتَأْكِيدِ تَوَاجُدِهِ فِي اَلْمَحْمِيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ يُرْشِدُنَا إِلَى اَلطَّرِيقِ فَسْلَكْنَاَهْ شَاكِرِينَ مَسْرُورِينَ وَكَمَا وَصَفَ حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى اَلْمَحْمِيَّةِ وَسَيَّارَةِ اَلدَّوْرِيَّةِ اَلْمُكَلَّفَةِ بِمُرَافَقَتِنَا أَشَارَ إِلَى أَحَدِ اَلِاتِّجَاهِ أَنْ اُسْلُكُوهُ مَعَ اَلسَّيْرِ بِهُدُوءِ وَحَتْمًا سَتَجِدُونَ عَدَدًا مِنْ اَلْغِزْلَانِ بَيْنَ تِلْكَ اَلْأَشْجَارِ وَظَلَّ وَاقِفًا يُرَاقِبُنَا وَلَمْ نَكِد نَقْطَعُ نَحْوٌ وَاحِدٍ كَيَّلُوا مِتْرٌ وَإِذَا بِثَلَاث غِزْلَانْ تَرْكُض أَمَامَنَا وَبِالْجَمَالِ اَلْمَنْظَرِ وَرَوْعَتِهِ نَعِمَ سَبَقَ أَنْ شَاهَدْنَا أَنْوَاعُ مِنْهَا فِي حَدَائِقِ اَلْحَيَوَانَاتِ لَكِنَّهَا فِي اَلطَّبِيعَةِ مُخْتَلِفٌ جِدًّا جِدًّا .

عُدْنَا إِلَى حَيْثُ قَرْيَةُ اَلْقَصَّارْ اَلْأَثَرِيَّةِ وَعِبَارَةُ قَرْيَةٍ قَدِيمَةٍ بِهَا نَحْوُ 40 بَيْتًا مِنْ اَلْحَجَرِ وَبِهِ رُصِفَتْ أَزِقَّتُهَا وَعَلَى كُلِّ بَيْتِ أَوْ دُكَّانِ لَوْحَةِ بَاسِمٍ مَنْ كَانَ يَسْكُنُهُ أَوْ يَمْلِكُهُ وَخَلَّفَهَا بُسْتَانُ مِنْ اَلنَّخِيلِ بِهِ آبَارً قَدِيمَةٍ وَعِنْدَ خُرُوجِنَا مِنْ اَلْقَرْيَةِ قَابَلْنَا شَخْصٌ بِيَدِهِ أَوْرَاق نَاوَلَنَا أَحَدُهَا وَإِذْ بِهِ مَنْشُورُ مَتْحَفِ اَلزَّيْلَعِي اَلْبَحْرِيَّ وَقَالَ اِبْحَثُوا فِي قُوقَلْ لِيُرْشَدِكُمْ إِلَى اَلْمَوْقِعِ لَمْ نَكْذِبْ خَبَرًا وَعَلَى اَلْفَوْرِ فَتَحْنَا قُوقَلْ وَإِذَا بِالْمَوْقِعِ يَأْخُذُنَا قَرِيبًا مِنْ بَيْتِ اَلرِّفَاعِي اَلْأَثَرِيَّ وَمَسْجِدِ اَلنَّجْدِيّ اَلتَّارِيخِيِّ وَمَتْحَفِ إِبْرَاهِيمْ مِفْتَاحٌ أَمَّا اَلْقَلْعَةُ اَلْعُثْمَانِيَّةُ عَلَّ مُقَرَّبَةٍ مِنْهَا . تَمَامُ اَلْعَاشِرَةِ وَالنِّصْفِ صَبَاحًا كُنَّا قَدْ زُرْنَا مُعْظَمُ تِلْكَ اَلْمَعَالِمِ اَلْأَثَرِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ فِي فُرْسَانٍ وَمِنْ ثَمَّ عُدْنَا إِلَى اَلْفُنْدُقِ لِحَزْمِ أَمْتِعَتِنَا اِسْتِعْدَاد لِلْمُغَادَرَةِ عَلَى رِحْلَةِ اَلسَّاعَةِ اَلْوَاحِدَةِ وَالنِّصْفُ.

كَنتُ وَلَازِلْتَ مِنْ أَشَدِّ اَلْمُهْتَمِّينَ وَالْمُتَحَمِّسِينَ لِتَنْشِيطِ اَلسِّيَاحَةِ فِي مِنْطَقَةِ جَازَانْ فَبِمَا تَتَمَتَّع بِهِ مِنْ طَبِيعَةِ مَا بَيْنَ سُهُولٍ وَشَوَاطِئَ وَجِبَالٍ وَجُزُرٍ حَبَاهَا اَللَّهُ مِنْ اَلْجَمَالِ مَا يَسُرُّ اَلنَّاظِرُ وَيُبْهِجُ اَلنَّفْسَ وَمَا فِيهَا مِنْ مَعَالِمَ تَارِيخِيَّةٍ تُثْرِي اَلْفِكْرَ وَالْمَعْرِفَةَ وَلِمَا لِلسِّيَاحَةِ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ كُبْرَى عَلَى اَلْمُسْتَوَى اَلتَّنْمَوِيِّ وَالِاقْتِصَادِيِّ وَالثَّقَافِيِّ وَاَلَّذِي كَانَ مِنْ أَهَمِّ تَوَجُّهَاتِ اَلدَّوْلَةِ مُنْذُ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ غَيْرِ أَنَّ اِهْتِمَامَ وَلِيِّ اَلْعَهْدِ حِفْظَهُ مِنْ خِلَالِ رُؤْيَةِ 2030 جَعَلَهَا مِنْ أَهَمِّ أَوْلَوِيَّاتِهِ مَشَارِيعُهُ اَلتَّنْمَوِيَّةُ وَنَلْحَظُ بِوُضُوحَ تِلْكَ اَلْمَشَارِيعِ اَلْجَبَّارَةِ اَلتَّغَيُّرَاتِ اَلْكَبِيرَةِ وَالْعَمَلِ اَلْمُتَوَاصِلِ وَسُرْعَةُ اَلْإِنْجَازِ إِلَى حَدِّ اَلدَّهْشَةِ .. نَعَمْ اَلدَّهْشَةُ!!

أَنَّ تَنْتَقِلُ مِنْ جَازَانْ إِلَى فُرْسَانٍ بِعَائِلَتِكَ وَسَيَّارَتِكَ وَأَمْتِعَتِكَ وَكُلَّ مَا يُلْزِمُكَ وَفِي وَقْتِ إِجَازَةِ وَذَرَّةِ اَلْحَرَكَةِ اَلسِّيَاحِيَّةِ فِي اَلْمِنْطَقَةِ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَتَطَلَّبُ مِنْ إِلَّا أَنْ تَفْتَحَ هَاتِفَكَ اَلْمَحْمُولَ وَتَدَخُّلَ بَيَانَاتِكَ وَتُسَافِرُ بِكُلِّ يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَتَرْحَابِ وَرُقِيِّ تَعَامُلِ وَجَوْدَةِ خِدْمَاتِ وَالَى أَجْمَلَ جُزُرِ اَلْبَحْرِ اَلْأَحْمَرِ وَأَجْوَاءُ سَاحِرَةٌ وَأَكْثَرُهَا هُدُوءٌ وَرَاحَةُ وَكُلُّ هَذَا مَجَّانًا فَهَلْ سَتَجِدُ مِثْل هَذَا فِي أَيِّ مِنْ دُوَلِ اَلْعَالَمِ ؟ مَا رَأَيْتُهُ فِي شَاطِئِ اَلْغَدِيرِ وَكُورْنِيشِ حَصِيصْ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُنْتَزَهَاتِ جُزُرِ فِرْسَانْ مِنْ اِهْتِمَامٍ بِالْمَكَانِ وَالْإِنْسَانِ بِمَا وَفَّرَتْهُ اَلدَّوْلَةُ مِنْ خِدْمَاتٍ حَتَّى فِي أَبْسَطِ اِحْتِيَاجَاتِ اَلْمُتَنَزَّهِ سَوَاءٌ مِنْ أَهْلِ فُرْسَانٍ أَوْ زُوَّارِهَا وَلَنْ اِتَّحَدَتْ عَنْ مُسْتَوَى اَلنَّظَافَةِ وَحُسْنِ اَلتَّرْتِيبِ وَجَمَالِ اَلْمَكَانِ وَالْأَلْوَانِ وَالْإِضَاءَاتِ وَتَجْهِيزِ مُرَبَّعَاتِ اَلْجُلُوسِ وَكُرْسِيّهَا بَلْ حَتَّى كُلِّ جَلْسَةٍ أَعَدَّ فِي جَانِبِهَا رُكْن صَغِيرٍ بِمِسَاحَةِ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ تَقْرِيبًا مُخَصَّص لِلطَّبْخِ وَالشِّوَاءِ وَزَوَّدَ بِبِنَاءٍ صَغِيرٍ أشْبَهَ بأَفْرَانِ اَلْمَطَاعِمِ اَلرَّاقِيَةِ حَقِيقَةً عَجِبْتُ أَشَدُّ اَلْعَجَبِ مِنْ دِقَّةِ اَلِاهْتِمَامِ بِمِثْلٍ هَذِهِ اَلتَّفَاصِيلِ اَلدَّقِيقَةِ فَلَا يَسَعُكَ أَمَامَ هَذَا كُلُّهُ لا يسعك إِلَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَكَ إِلَى اَلْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ حَامِدًا شَاكِرًا أَنَّ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهَذِهِ اَلْقِيَادَةِ اَلرَّشِيدَةِ وَهَذَا اَلْوَطَنُ اَلْعَظِيمُ وَانْ يُدِيمُ نِعْمَةَ اَلْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالرَّفَاهِ وَرَغْدْ اَلْعَيْشِ وَانْ يَحْمِي بِلَادَنَا وَقِيَادَتَهُ وَأَهْلِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَحَاسِدٍ .

خِلَالَ اَلسِّتَّةِ أَشْهُرِ اَلْمَاضِيَةِ زُرْتُ مُعْظَمُ مُحَافَظَاتِ اَلْمِنْطَقَةِ اَلْعَارِضَةِ وَصَامْطَة وِبِيشْ وَالرَّيْثْ وَهُرُوبٍ وَمُنْجِدٍ وَالشَّقِيقِ وَفُرْسَانِ وَالْحَشْرِ وَفِيفَا وَصَبِيًّا وَالْحَقِيقَةِ كُلُّ جَازَانْ سِيَاحَةً فَارِهَةً وَجَمَال أَخَّاذٍ وَطَبِيعَةِ سَاحِرَةٍ وَأَجْوَاءِ لَطِيفَةٍ لَاسِيَّمَا فَصْلِيٌّ اَلشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ وَكُلِّ اَلْبِنَى اَلتَّحْتِيَّةِ مِنْ طُرُقٍ وَكَهْرَبَا وَاتِّصَالُ وَخِدْمَاتُ بَلَدِيَّةٍ وَصِحِّيَّةٍ مُوَفِّرَةٍ حَتَّى لَمٍّ يَبْقَ إِلَّا مَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا نَحْنُ مُوَاطِنِينَ وَرِجَالَ أَعْمَالٍ لِنَجْعَلَ اَلسِّيَاحَةَ فِي اَلْمَمْلَكَةِ عَامَّةً وَجَازَانْ خَاصَّةً حَالَةَ جَذْبٍ لَا تُقَاوِمُ وَوُجْهَةً لَا تُقَارِنُ وَمُتْعَةً لَا مَثِيلَ لَهَا .

فَرَسَانِ مَثَّلَا لَا يَنْقُصُهَا إِلَّا زِيَادَةَ عَدَدِ اَلْفَنَادِقِ وَالشُّقَقِ اَلْمَخْدُومَةِ وَلَابُدٍّ مِنْ مَكَاتِبَ لِتَأْجِيرِ اَلسَّيَّارَاتِ وَالْمَرَاكِبِ اَلْبَحْرِيَّةِ اَلسِّيَاحِيَّةِ لَابُد مِنْ مَكَاتِبَ لِلْإِرْشَادِ اَلسِّيَاحِيِّ وَقَبْلَ كُلِّ هَذَا كَوَادِرُ سُعُودِيَّةٌ مُؤَهَّلَةٌ جَيِّدًا فِي مَجَالِ اَلْخِدْمَاتِ اَلسِّيَاحَةِ وَتَسْوِيقِهَا لِتَكُونَ فَرَسَانِ مَالْدِيفْ السعودية بلا منافس.

بقلم/ الزاهد النعمي

1445/5/10هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى