مقالات مجد الوطن

عزلة

 

محمد الرياني

بات كئيبا في غرفة لاجديد فيها باستثناء أشيائه الخاصة، ملابسه القديمة وذكرياته، اتجه نحو العالم الخارجي ليرى عوالم أخرى، نباح الكلاب الذي يتردد في جنبات الوادي جعله يغبطها على لحظات المرح ، شجر الأثل الذي يتلذذ بالندى في الصباح الباكر والظل البارد دفعه لأن يبكي على الوحدة التي أجبرته على هجر العالم والتقوقع في معزل، في اليوم الوحيد الذي خرج ليرى حقيقة مايجري كان الشاطئ يعج بالحركة، رأى الفرحة تذهب صوب الأمواج وعلى الألعاب البائسة المتناثرة وعليها الصغار، حتى عربات المقعدين رآها تهتز طربا وهو يرى في خياله غرفته الوحيدة ذات اللون القاتم، لم يدم غيابه طويلا، تيار جارف جرفه نحو العودة، الوجوه الجديدة التي لم يألفها كتبت عنوان عودته، لم يجد أحدا يسكنه العالم المفتوح، عاد إلى وحشته، وجد بعض الكلاب تواصل النباح على بقايا الظل ، الندى لايزال يسكن بعض الأفرع الوارفة، أخذ منها واحدا ليبلل بعض جسده المحترق، وصل إلى غرفته الصغيرة، وجد بابها مفتوحا، سلمت ملابسه وأوراق ذكرياته، لم يسرق أحد عزلته ووحشته، حفر لنفسه حفرة في التراب الذي بدأت الحرارة تدب فيه، دفن نفسه حتى رقبته، ترك رأسه لترى عيناه شيئا واحدا، ظل يحرس غرفته المفتوحة، ودع أصوات النباح والأمواج والفرح التي رآها، ترك العالم يفرح ، لم يستطع أن يحرك جسده المدفون كي يطوف ببصره في كل الجهات، هوت الغرفة العتيقة أمام بصره، اكتفى بالفرجة على الركام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى