حوارات ولقاءات

قراءة نقدية وتحليلية في قصيدة للشاعر ابراهيم يحيى الجعفري شادي الساحل بعنوان (طيف ذكرى)

قراءة نقدية وتحليلية في قصيدة للشاعر ابراهيم يحيى الجعفري شادي الساحل
بعنوان (طيف ذكرى)
الشاعر شادي الساحل
ابراهيم يحيى الجعفري
شاعر وأديب سعودي له صيته وشخصيته في الأدب السعودي
عناصر القصيدة
العنوان والفكرة والبنا والإيقاع
العنوان طيف من الذكرى
جملة اسمية مثبته التي تعطي المعنى التام المقصود عند المتكلم عندما يريد إيصاله إلى المستمع، سواءً أكان المستمع مستخبراً من المتحدّث أم كان مخبراً، وتمتاز الجملة الاسمية المثبتّة بأنّها تبدأ دائماً باسم يكون المحور الرئيسي في الكلام كماهو هنا طيف من الذكرى فكل القصيدة متعلقة بالعنوان وكل مضمونها يشير إليه ويخرج من بوتقته
التقطيع الإيقاعي للنص
*العاطفة

حوّل الشاعر عاطفته الخاصّة إلى عامّة حتى شارك مشاعره مع المتلقي وأستطاع أن ينتقل من عاطفة إلى أخرى واستطرد في التنقل بكل سهولة بين المقاطع دون أي اهتزاز في الايقاع ولا الموسيقى ولا الوزن .
*الاسلوب
اتبع شاعرنا الاسلوب الذاتي أو الحسي
والأسلوب هو العنصر اللفظي أو الصورة اللفظية التي يعبر بها عن المعنى أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار وعرض الخيال أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني
وشاعرنا تمكن من جمع أدواته ووضعها في مضمون النص بتميز وتنقل بين المقاطع دون أن يترك ثغرة يجلج إليها الفراغ المعيب ووجدنا التشبيهات الجميلة والابداعية
كقوله :
سـحابٌ مـن الأحـزان أغـرق أرضـنا
فـــلا أنـبـتتْ إلا وقــد رسـمـتْ قـبـرَا
أنظر للسحاب كيف حوله من هيئته المعلومة وعملها الذي يحيي إلى سبب مميت وهكذا
أبدع الشاعر في خلق الصورة النمطية
البحر الطويل

بحر الطَّوِيل :هو من البحورالمركبة التي تتكون من تفعيلتين مختلفتين تتكرر أربع مرات في كل شطر، وعدد حروفه يبلغ ثمانية وأربعين حرفا في حالة التصريع بالزيادة، أي في إذا كانت العروض والضرب من الوزن والقافية نفسها، وليس مثله بحر آخر
الدائرة : المختلف
التفعيلة الرئيسية

(فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ
••• فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ)
روي القصيدة
الراء المفتوحة والقافية المطلقة
تحليل نص ومضمون القصيدة:
فــؤادٌ جـفـاه الـخـلّ يـنـتظر الـفـجرَا
وعــيـنٌ لــذيـذ الــنـوم فـارقـها دهــرَا
سـحابٌ مـن الأحـزان أغـرق أرضـنا
فـــلا أنـبـتتْ إلا وقــد رسـمـتْ قـبـرَا
زمـــانٌ لــنـا قــد جــاد قـبـل فـراقـنا
هــو الـيـوم أهـدانـا الـصـبابةَ والـمُرَّا
المطلع هو الأساس المهم في بناء هيكل القصيدة العمودية ولذا كلما كان المطلع قويا كانت بقية القصيدة قوية ومؤثرة لكونه يعتبر كالحبل السري الذي يغذي باقي أجزاء القصيدة وشاعرنا هنا بدأ بجملة طيف من الذكرى والطيف عند البعض قوسُ قُزَح وأَلوانه الجميلة المبهرة
وعند البعض الخيال: ما يراه الشخص في النوم أحيانا وشاعرنا أراد من خلاله أن يبين لنا بأن لديه ذكريات قديمة ارتبط بها وبأسباب وجودها في حياته ولذا احتال بجمال لغته
على الألفاظ ليعطينا تصور عام من خلال الطيف الذي يعنُّ له ويجذبه إلى داخل الثقب الزمني والعُمري لحياته ليأتينا بأبعاد تلك الذكريات

فــؤادٌ جـفـاه الـخـلّ يـنـتظر الـفـجرَا
وعــيـنٌ لــذيـذ الــنـوم فـارقـها دهــرَا
عندما يتفاجأ القلب بالجفاء والهجر من أقرب المقربين وهو هنا عناه الشاعر ب(الخل)
فالحب، كلمة تحمل معنى هو من أسمى المعاني وأنبلها، فهو عاطفة تدخل القلب دون استئذان
لتهزَّ مشاعرنا وأحاسيسنا وتحرك فؤادنا فيمضي بنا الحب كيفما يشاء وذلك وارد كونه
يملك قوة لامثيل لها تسيطر علينا بإرادتنا أو رغما عنا فالحب والعشق شئ داخلي يرتبط
بالمشاعر والعواطف، فيبدأ بالإعجاب تجاه الطرف الآخر، ثم تنمو مشاعر الحب نحوه ، ذلك أن المحبة قيد من المشاعر التي تحقق التقارب والتجاذب والارتياح الداخلي بين البشر، أو الاستمتاع بالتواجد مع طرف آخر.
وما أصعب الفراق ومايسببه من ارق فهاهو يقول (فــؤادٌ جـفـاه الـخـلّ يـنـتظر الـفـجرَا)
وما أصعب مرور الساعات لمن مشاعره متوقدة ملتهبة وفكره مشرأب نحو الأفق ويتقافز في داخله القلق وتتصادم الآهات كحبات البرد حين وقوعها فبأي حال ينتظر الفجر وماذا بعد وصول الفجر هل ستخف الحال وهل ستستقر الأفكار وهل ستهدأ؟
(وعــيـنٌ لــذيـذ الــنـوم فـارقـها دهــرَا)
الشخص الذي يفارقه النوم بسبب هجر المحب ستصاحبه الهمهمات السمعية والرؤى البصرية كما قد تظهر علامات القلق مستويات عالية من الشحن النفسي سرعة الإرهاق فحتما لن تشعر بهنيِّ ولذيذ النوم وربما امتد ذلك دهرا كما يخبرنا الشاعر في الأبيات التالية
سـحابٌ مـن الأحـزان أغـرق أرضـنا
فـــلا أنـبـتتْ إلا وقــد رسـمـتْ قـبـرَا
هنا تضاد ومفارقة عجيبة تمكن الشاعر من أن يجتذبها من حالها المتخيل لنا إلى جانب آخر فكلنا نعرف أن السحاب لايمطر إلا ماء ولكن عندما يرى الشاعر أن السحاب أمطر حزنا فذلك يعني أنه بلغ به الحزن مبلغا كبيرا حتى تخيل أن الجمال أصبح كئيبا وأمطر حزنا وأغرق الأرض المحيطة به فأنبتت قبورا وهذا تصوير بليغ للحالة الحزينة وأثْرَتْ عاطفتنا بالانفعال من تصور تلك الحالة والأماكن الموحشةبالحزن….
هنا أيضا تجسيد للواقع الذي تتواصل فيه مظاهر الحزن وأسباب الآهات والانفعالات
زمـــانٌ لــنـا قــد جــاد قـبـل فـراقـنا
هــو الـيـوم أهـدانـا الـصـبابةَ والـمُرَّا
يعني الشاعر أنه مر بنا زمن جاد بالجمال والأنس والسلوان وأرج وعبق اللّقيا قبل الفراق وما أن تغير المشهد الوجداني حتى تغيرت الصورة النمطية إلى الصبابة التي ألهبت الأشواق ودائما الصبابة ترتبط بالحب والعاطفة التي لاتجد استجابة من الطرف الآخر وتبقي اللواعج تتوقد في وجدان واحد بسبب تنكر وهجر القلب الآخر ولذا تحولت الحلاوة مُرّا وعذابات مستمرة.
………..
المقطع الثاني
عــهــودٌ تـنـاديـنـا وأســمـع صـوتـهـا
فـمـا أنـصـتتْ هـنـدٌ وآثَـرَتِ الـذكرى
تَـصَرَّمَ حـبل الـوصلِ وانـثالتِ الـمنى
فـهل غـربتْ شـمسٌ وعانقتِ المسرى
تـعـيثُ بـنـا الـذكـرى وتـقـتلنا أسـىً
وتـلـبـسـنـا ثـــوبًــا فـنـخـلـعه قــهــرا
ولا خــيـر فــي ودٍّ يـطـير بــه الـهـوا
ولـــو كـــان لـلـدنـيا وأنـجـمها بــدرا
في هذا المقطع من القصيدة يحملنا الشاعر إلى عمق الحالة التي تلبسته وغشيته بذات وقت ويذكر لنا تفاصيل داخلية من عمق ذلك الهيكل الروحي الذي يعاني
عــهــودٌ تـنـاديـنـا وأســمـع صـوتـهـا
فـمـا أنـصـتتْ هـنـدٌ وآثَـرَتِ الـذكرى
فيذكر تلك العهود من الأيام الأُولى
وأنها تهزُّ سمعه بميثاقها المتلاشي وأن همسها يتوكأ على عصاهُ وعصف به الزمن
في خلجات صدر شاعرنا ولكن ذلك الهمسُ همس (هندٍ) الرمز الآخر فما أنصصت هند
وآثرتِ البقاء في غياهب الـذكرى على ألا تعود للعهود والمواثيق التي ارتبطت بالحياة الجميلة قبل الهجر والتباعد وأصبحت المسافات لا تستطيع الجمع بينهما
وما بين غروب الشمس و ظهور القمر يخرج الشفق الصامت وحينها تتنفس الأرواح العاشقة الآهات كمايتنفس البحر ويتمدد
ومن ثم يتراجع بجزره وهي ظاهرة في الأرواح كما هي بالطبيعة وهذا مانفس عنه الشاعر بقوله:
تَـصَرَّمَ حـبل الـوصلِ وانـثالتِ الـمنى
فـهل غـربتْ شـمسٌ وعانقتِ المسرى
فحبل الوصل تصرم أي تقطع بعد ذلك المد والجزر وحينها انثالت المنى وتدفقت وتتدافعت على الفكر المشغول بأشواقه
فهل غربت شمس وعانقت المسرى تصوير جميل وبديع فالشمس مع الغروب كأنها تعانق البحر ومن ثم يحتضنها ويأخذها إلى مهد المسرى حيث لايستطيع أحد أن يدرك مدى ذلك العناق وشاعرنا يستفهم بما لديه من مخزون تعجب في مخزن قلبه وأفكاره وهو تعجب واستفهام إنشائي طلبي و هل تأتي للاستفهام عن مضمون الجملة المثبتة
تـعـيثُ بـنـا الـذكـرى وتـقـتلنا أسـىً
وتـلـبـسـنـا ثـــوبًــا فـنـخـلـعه قــهــرا
هنا سلم الشاعر نفسه للهمهمات الحزينة وتأوه حين وصل الأمر بأن يحاول أن يذر التراب في وجه هذه الذكرى وصدع في وجههابأنها تعيث في حياته وتنصب نصلها في صدرهما وتقتلهما بالأسى واللَّهف والحزن على مافات
الله الله هذا البيت حبكة في منتصف هذه القصيدة الرائعة وهنا تصوير بديع بديع حقا
حينما يصبح الأسى والحزن عبارة عن ثوب يلبس رغما وإكراها ولكن ردة الفعل أنه يخلع من ضيق القهر وكان الجواب على هذا
أن الخير منزوع من الودِّ الغير مستقر وذلك عندما قال بعدما خلع ثوب القهر وساعة اهتزاز العاطفة فأي خير في ود يطير به الهوا
ولوكان هذا الود وأنجمها بدرا
ولا خــيـر فــي ودٍّ يـطـير بــه الـهـوا
ولـــو كـــان لـلـدنـيا وأنـجـمها بــدرا
أي حتى لو أصبح لكل الدنيا بدرا يتأمل جماله الناس
*المقطع الثالث

ولـــكــنّ أيـــامي تـــحــنُّ لــذكـرهـا
فـيا لـكِ مـن ذكـرى شقيتُ بها عُمرا

أراهــا إذا مــا الـلـيل أســدل نــوره
تــرافـق أحــلامي فـأبـصرها فـجـرا

وأسـمـعها صـوتًـا يـشـنف مـسمعي
يـحـاورني هـمـسًـا فـأسـمعه جـهـرا

وإن قـلـت يـا قـلبي سـلوتَ يـجيبني
تـسـائـلـني أمـــرًا وأنـــتَ بـــه أدرى
المسافات لاتقرب أحدًا ولاتبعد أحدًا
وإنما القلوب هي تفعل الُّلـقيا وتقرب بين الطرفين فهاهو قلبه يقول بأن أيامه الجميلة تحن لذكرها ثم يعكف عليها متحسرا بقوله فيالك من ذكرى أرهقني حملها وشقيت بها دهرا ….
أراها إذا ماالليل أسدل ستائر ظلامه على ماكان من نور تأتيني كالطيف ومن لهفتي عليها أبصرها فجرا فأي تعلق هذا بتلك الذكريات ومن كان يتسيد المشهد فيها ولا يعنّ ولو من شرفة الوقت على ذلك المتلهف المكلوم على ضياع وقته خلف طيف تلحف سرابا وذاب كما تذوب قطرات الندى مع أشعة شمس الصباح إنها معاناة من طرف واحد
وأسـمـعها صـوتًـا يـشـنف مـسمعي
يـحـاورني هـمـسًـا فـأسـمعه جـهـرا
هنا العطف يكمن في اهتزاز القلق والآهات كصوت جرس لا يهدأ مابين فينة وأخرى يهتز
ويحدث صوتا روحيا يهب للهمس حياة و يقرر العاطفةَ ويزيد من نبض المشاعر ما إن يرنّ رنّةً حتى تعمر القلوب أو تسقط
وحتى تضحكَ المشاعر أو تعبس..
وهنا الخيال يصبح هيكلا متحركا ومتحدثا وتلك الروح تشنف مسمعها وتشعر بمحاورته
جهرة رغم عدم وجوده وسبب ذلك المكانة التي يحفظها للآخر رغم ماصنع به ورغم عدم استجابته لكل هذه الاستجدات والاستدعاءات
للرجوع من الذكرى لدائرة الواقع المتحرر
فهل ذلك الطيف والتخيل الملامس جعله يحاور قلبه ويحاول إقناعه ليعترف بأن ذلك جلب له السلوى وهي في الواقع أبعد عنه بمسافه حين يقول
وإن قـلـت يـا قـلبي سـلوتَ يـجيبني
تـسـائـلـني أمـــرًا وأنـــتَ بـــه أدرى
فكان جواب قلبه كيف تسألني عن حالي والحال أنت أدرى به مني فلا نفس ولاقلب
كلاهما وقعا في شراك هم أبى أن يستجيب وأماني أبت أن تتحقق…
*المقطع الرابع
وفي شـرعـة الـعـشاق بـات مـحرمًا
وسيـئـةً عظمى وقــد بـلـغتْ كـفـرا

هي الـروح أحـياها تـشاركني دمي
أعـيش لألقـاهـا وإنْ نـكـثتْ عُــذرا

عـلـى الـعهد لا زلـنا نـجدده ضـحىً
وعـصـرًا إذا الـنسيان أرهـقنا ظـهرا
هل في شرعة العشاق الهجر والقطيعة والتنكر والتخف في زي وأقنعة الإيهام شرعة محرم وجريمة والحقيقة والمفترض أنها نعم ولكن أن توافقت الأرواح ستجد من يضع مصاطب ومطبات من خارج نطاق التوافق ….
والبعض يرى وكذا شاعرنا أنها بلغت كفرا في منهج العشاق ونظرة العاشق نفسه وقانونه أنه بلّغها منزلة الكفر لكونها تقتل العاشق المحروم الذي غرس فيه محبوبه نصل الهجر
ومعاني الحب عند العشاق لجلالتها وقدرها لا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة…
هي الـروح أحـياها تـشاركني دمي
أعـيش لألقـاهـا وإنْ نـكـثتْ عُــذرا
الروح لاندرك ملمسها ولا كنهها ولا هيئتها
ولا جوهرها ولا أصلها وحقيقتها ولكن نشعر
بنفحة وجودها في فراغات هيكلنا الجسدي
وشاعرنا جسدها بأحاسيسه وعاش تجربتها
بتقلبات طبعها ومزاجها حتى بلغت عنده بمشاركة دمه فيشعر بها في نبضه فيعيش على أمل أن يلقاها وإن نكثت بكل الأعذار والتوقعات ولكنه جعل لنفسه بعد نظر وحلول لأسوأ الاحتمالات فزيت ضيائه لم ينضب
عـلـى الـعهد لا زلـنا نـجدده ضـحىً
وعـصـرًا إذا الـنسيان أرهـقنا ظـهرا
هنا لا أريد أن أقول له تالله إنك لفي ضلالك القديم ولكن سأرجئه إلى أمل في نفسه يجعله يتأرجح بين الحقيقة والوهم ….
فبعد أن صدع بأنها تجاهلت العهود رجع وقال
على العهد لا زلنا نجدده ضحى
وعصرا إذا النسيان أرهقنا طهرا
فربما رغم الهجر والغياب وبعد المسافة بين فصول الذكرى وما بعدها يطل خيط دخان يعلن أن الآمال لم تضمحل رغم ظهور مايدل انحلال اللقيا والعودة وتلاشىيها
وهذا تضاد مع البيت السابق الذي يقول
عــهــودٌ تـنـاديـنـا وأســمـع صـوتـهـا
فـمـا أنـصـتتْ هـنـدٌ وآثَـرَتِ الـذكرى
ولكن لعلي أرجئ الأسباب!!!!.
*المقطع الخامس

ولا زال بي شــوق إلـيـها لــو انــه
تمثّل إنـسـانًا لما احتمل الـصبرَا

إلى الـبـحر أشـكوها وأكـتم سـرّها
فـأكـتب أشـعاري وأرمي بـها بـحرَا

أبى الـقلب يـنساها فما حيلتي به
فإنْ عشتْ أرجوهُ فما عَهِد الغدرَا

ســقــى الله أيــامًـا وددتُ وصـالـهـا
أخـاطبها تـهذي كـأنْ شـربتْ خـمرَا

وَأَعْـلَـمُ أَنَّ الـدَّهْـرَ لَـيْـسَ يَـجُـودُ لي
ومَا حِيلَةُ الْأَشْوَاقِ إِنْ عَشِقَتْ ذِكْرَى

هذا المقطع يتصل بسابقه فهو تتمتة لما آل إليه الحال الذي مازال ينتظر تعاظم ذلك الخيط ليصبح اسطوانة اعصار حينما ندرك أنه مازل يصرح عن مدى اشتياه وتطلع آماله لعل تلك الشرفة المغلقة تفتح وتطل منها هالات ضياء ولكن مع هذا الأمل والترجي والترقب يصرح بأن أحداث تلك الذكرى لو تمثل بروح إنسان بواقع الانسان لم يحتمل الصبر ولفارق الحياة أو جن جنونه فماذا عساي أن أقول وماذا عساي أن أصبح إلاأقول كما نرى هنا بأنه لم يجد أمامه إلا المبادرة للشط ومحاورة البحر
إلى الـبـحر أشـكوها وأكـتم سـرّها
فـأكـتب أشـعاري وأرمي بـها بـحرَا
فقد كتب الكثير من الأسطر عن معاناته
ورماها في تلك القارورة المترنحة بين أحضان الموج لعلها تبلغ مابين مسافات القلوب
هنا تصريحات في جانب تعزيز العلاقات
وذلك العشق الذي فرض نفسه على تلك الذكريات وتجلّى بقوله
أبى الـقلب يـنساها فما حيلتي به
فإنْ عشتْ أرجوهُ فما عَهِد الغدرَا
اعتراف بعدم النسيان سواء الذكريات وأطيافها أو ذلك المحبوب الذي غادر ذات وقت من باب الذكريات وإن عشت أترقب ذلك الرجاء فماعهد الغدرا
تعود بنا كلمة عهِدَ إلى الوفاء وصدق العهود والمواثيق ولكن الغدر ليس عنده عهود ولا يلتزم بها وإلا لِمَ يسمى غدرا….
ســقــى الله أيــامًـا وددتُ وصـالـهـا
أخـاطبها تـهذي كـأنْ شـربتْ خـمرَا

هنا سنبصر الروح تتحسر وتستلهم بكلمة لفتت الانتباه لذكريات قديمة ويريد إيقاظها من سبات الذاكرة أو حياة ألفها أو أيام له فيها ذكريات حميمية مع محبوب ورحلة عشقد لا تنسى، فإنه يسلك الطريق لهذه الجملة سقى الله ذاك الزمان أو سقى الله أيام مضت أو سقى الله دارنا أو سقى الله مادار بيننا…
ومع تلك الذكريات الجميلة التي استسقى لها وتحرك وهز رأسه للأعلى والأسفل ويمنة ويسرة وهمس بآه وآه إلا أنه يرى أنه يخاطب تلك الأيام والذكريات وتتجاهله في ذهول من يهذي عقله ولا يعي ماتقول !!
أخـاطبها تـهذي كـأنْ شـربتْ خـمرَا….
وهنا سنصل لنهاية يائسة واعتراف بأنه لم يحقق المرام أو يقبض نتيجة مرضية لإماله
فالحب كما الدنيا يومٌ لك ويومٌ عليك كما ارتبطت المحبة بأكثر المشاعر سعادة وحبورًا ارتبطت كذلك بأشد المشاعر ألمًا ولوعة فصول الحب القاحلة تبدأ بالهجر، والذي قد يكون هجر ملل وهجر القلى (النسيان)
فما حيلة الانسان إن أبت الاحلام أن تتحقق
وَأَعْـلَـمُ أَنَّ الـدَّهْـرَ لَـيْـسَ يَـجُـودُ لي
ومَا حِيلَةُ الْأَشْوَاقِ إِنْ عَشِقَتْ ذِكْرَى
وماهي إذا الفائدة في مطاردة طيف ذكرى اختفى الجسد ومعه الروح وبقيت الذكرى تطوف وأنت تلاحقها من أجل تجد فيها ذلك الجسد المختفي
(وما شيء من دواهي الدنيا يعدل الفراق، ولو سالت الأرواح به فضلًا عن الدموع كان قليلًا. وسَمِع بعض الحكماء قائلًا يقول: الفراق أخو الموت، فقال بل الموت أخو الفراق!)

*ملاحظة
أحيانا طول القصيدة أو النص يضطر الشاعر ليعيد تكرار بعض الألفاظ وربما يعيد تكرار المعنى أو يلجأ إلى التضاد مع معنى ذكره في البداية وخالفه في النهاية
القصيدة متميزة واخذت حقها من السبك والوحدة الموضوعية ولذا استحقت القراءة
مع تمنياتي للشاعر المتميز دائما ابراهيم الجعفري للرقي والعطاء والنجاح والتميز الدائم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى