جدة – نبيل القرافي
تغريد بخاري.. مغسلة الموتى.. وكاسيتهن.. ومكرمتهن… تضع عليهن آخر كسوة من كساء الدنيا..
بدأت حياتها في عالم الأموات في سن مبكرة، كانت حينها في سن الثالثة والعشرين فكانت أصغر مغسلة موتى على مستوى المملكة وربما العالم العربي في وقتها.
تبلغ تغريد بخاري الآن الخامسة والأربعين ، ولاقت في بداية حياتها في هذا المجال الكثير من الصعوبات والمشاكل والإهانات ورفض المجتمع لها ولمهنتها التي يجهل الكثير أسرارها وعالمها.
قررت تغريد في هذه السن المبكرة إمتهان هذه المهنة اللي يرفضها الكثير ويرفض أن يكون جليسه أو قريبه أو صديقه أو حتى جاره من هذا العالم المجهول، فابتعد عنها الكثير من صديقاتها ومعارفها تشائما وجهلا منهم كأنها تحمل الموت بين كفوفها أو كأنها رسول ملك الموت لهم، فتحدت تغريد المجتمع بأكمله واصرت على هذه المهنة إبتغاء وجه الله تعالى أولا وآخرا، حيث لم تكن تأخذ أجرا ماديا في بداية عملها بل كانت ترجو الأجر والمثوبة من الله تعالى، فعانت كثيرا.. وتحدثت.. وأصرت.. حتى ذاع صيتها كأصغر مغسلة موتى رسمية.. فكسبت الكثير من الناس بتعاملها معهم وبحسن أخلاقها.
عملت تغريد بخاري في أغلب مغاسل جدة ومستشفياتها وكانت تطلب بالإسم في أغلب الأوقات لإتقانها لمهنتها وخبرتها في هذا المجال.
تتحدث تغريد عن بدايتها والمعاناة والمصاعب اللتي واجهتها في بداية حياتها حيث قالت : قررت في سن مبكرة أن امتهن مهنة المتاعب وهي غسل الأموات رغم إعتراض جميع من حولي من الأقارب والأصدقاء والمعارف إضافة إلى المجتمع، فتحديت الجميع وأصررت على هذه المهنة رغم العروض الكثيرة اللتي كانت تعرض علي بأن أعمل في وظائف برواتب مغرية ورغم ذلك كنت ارجو فقط الأجر والمثوبة من الله تعالى ولحبي لهذه المهنة رغم أنه لانتقاضي في المقابل سوى أجر رمزي لايكفي لمتطلبات الحياة.
تحكي لنا تغريد بخاري بعض المواقف اللتي تعرضت لها، ومنها انه تقدم أحد الأشخاص لخطبتها، وعند الرؤية الشرعية تم الإتفاق بينهما على كل شي ، ولكن حين علم الخاطب انها مغسلة أموات فزع وارتعب وقام على الفور من مكانه مفزوعا وبدأ بالرجوع للخلف واتجه إلى باب المنزل مهرولا ولم يرجع بعدها.
أيضا تكرر الموقف معها مع خاطب آخر قال لها حين علم بمهنتها ” انا اقرف منك ومن مهنتك”.
تحكي لنا تغريد بخاري بعض المواقف عن حسن الخاتمه وسوء الخاتمة ، وكذلك عن وجوب تنفيذ وصية الميت في الغسل :
جيئ لنا بفتاة متوفاه في العشرينيات من عمرها أرسلت لنا من إحدى المستشفيات لغسلها وتكفينها، حيث كانت تعاني من السرطان لفترة طويلة، فسالنا والدها هل نتظر أهلها حتي يأتوا ام نبدأ بالغسل؟ فسمح لنا بأن نبدأ بغسلها، وحين وضعها على طاولة الغسل ومحاولتي تجريدها من ملابسها للبدء في غسلها وجدت صعوبة شديدة في تحريك أي جزء من جسمها أو حتى تقليبها فكانت شبه متصلبه وثقيلة جدا ، فاتصلت على صديقة في نفس المجال كي تأتي وتساعدني في تغسيلها َوبصعوبة شديدة تمكنا من غسلها ، والعجب العجيب أن الفتاة الميتة كانت طوال فترة غسلها لها لم تكف الدموع عن النزول من عينيها وكلما كنا نمسحها ظنا منا أن الدموع ماء الغسل كانت تنهمر مرة أخرى.
وبعد أن إنتهينا من غسلها وتكفينها جائت والدتها وهي تصرخ وتبكي وتقول من سمح لكم بتجريدها من ثيابها وغسلها؟! إبنتي أوصنتي أن لايكشف جسدها أو تغسل إلا في وجودي..وأن إبنتي ماتت حين خرجت من المستشفى كي أجي لها بملابس، فقلنا لها أن والدها هو من سمح لنا بذلك.. والعجيب أن الأم كلما كانت تبكي كانت دموع إبنتها تنزل معها وكلما تتوقف عن البكاء توقفت دموع إبنتها، حتى تمكنا من إقناع الأم أن الذنب ليس ذنبنا وأن والدها هوه من سمح لنا ببدء غسلها، فنصحناها بأن تكف عن الصراخ وتهدئ من البكاء لأن هذا يضر إبنتها المتوفاة.
أيضا من المواقف عن سوء الخاتمه تقول بخاري أتتنا إمرأة متوفاه بيضاء اللون وبعد تجريدها من ملابسها والبدء في غسلها فوجئنا بأن وجهها إنقلب إلى السواء الشديد في حين أن باقي جسمها بقى على حاله ولم يتغير ففزعنا وجزعنا أنا وزميلتي اللتي كانت معي وقتها وبالكاد إنتهينا من غسلها.
أيضا من قصص سوء الخاتمة، إمرأة كبيرة في السن توفت ولسانها مدلى خارج فمها فحاولنا بشتى الطرق أن نرجع لسانها إلى داخل فمها فلم نستطع لأنها كانت تضغط بأسنانها عليه، فتركناه كما هو ، وحين سألنا أهلها عنها قالوا أنا كانت إمرأة سليطة اللسان لم يسلم أحد من لسانها وسبابها.
ومن قصص حسن الخاتمة جيئ لنا بإمرأة متوفاه كبيرة في السن ومعها بنتين من بناتها حضرتا معنا غسلها وكان رجليها حين إحضارها إلينا معكوفة وكذلك يديها، وحين كشفت عن وجهها شع منه نور غريب لدرجة أني وضعت يدي على عيني ، والأغرب من ذلك أن شعر المرأة إنقلب من البياض الشديد إلى السواد الشديد ففجعتا إبنتاها وأصبحتا تمسكان بشعرها وتقولان هل هذه والدتنا فعلا؟!!! لقد تحول وتغير جسمها تماما.. حتى رجليها و ذراعيها المعكوفتان قد تمددت وأصبحت طبيعية.. والأغرب والأغرب بل الأعجب والأعجب أن جسمها وجهها الذي كان يشع نورا قد تغير إلى جسم وشكل إمرأة في الثلاثينيات من عمرها.
وفي نهاية حديثنا مع تغريد بخاري وجهت رسالة للمجتمع ولكل متشائم أو رافض لعملها في مجال الأموات، أن عملها كغيره من الأعمال..فلولا عملها لم تجد الأمهات أو البنات أو الأخوات من يغسلهن حين موتهن إلا الرجال وهذا لايجوز شرعا.. فلا يجوز للرجل أن يغسل إمرأة إلا زوجته، ولايجوز للمرأة أن تغسل رجلا سوى زوجها، فعملها كعمل المعلمة والطبيبة…. وانها تعيش حياتها كغيرها من النساء فهي تخرج مع صديقاتها وأهلها وتلبس وتضع المكياج وتمارس حياتها الطبيعية.
https://youtu.be/B6zoqhdJI3k