محمد الرياني
….. ويأتي الصباح ، وتكتحل عيناي برؤية الصباح ، ثم تكتحل مرة أخرى برؤيتها ، كنت أمازحها فانفلق الصباح عن أجمل وجه صبوح أضاء في وجهي بابتسامته ، بين السادسة والسابعة صباحًا كنت مستعجلًا ؛ بل في غاية الاستعجال ، لم يمنعني هذا الارتباك من أستروح رائحة الصباح ، الأزقة الضيقة في قريتنا الوادعة تلتقط الأنفاس تلو الأنفاس ثم تضمها قبل أن تلفظها إلى الشارع الأوسع منها ، أجيء – أنا – لأنفرد عن بقية اللاهثين عن وجه الصباح ، أشعر أن عطر الصباح القادم من كل الأزقة يأتي نحوي وحدي لأحظى بشذى مختلف ، أعود إلى وجهها ومازال يبتسم ، تسألني عن روعتي في الصباح ولم تكن تعلم أني سلبت من الأزقة عبيرها ، ومن وجه الصباح شذاه ، ومن ملامح البراءة التي تتسلل بين الطرقات الضيقة نسيمها ، تسألني من أين جلبت هذا العطر وقد تقلبنا في المنام بعطر مختلف؟ مازحتها أكثر ليزداد استفزازها ، تركتها ترش على وجهها بعض العطر كي تخرج مثلي من الزقاق الضيق ونتفس سويًّا في الصباح من الأنفاس الطرية القادمة من الشارع الفسيح ، ننتهي من إخراج زفرات الليل المعتمة ، أبتسم في وجهها ، تأسرني بضحكتها اللطيفة في وجهي ، تودعني بلحاظها ، أتركها وأنا أستروح من جانبي شذى الصباح وعطر المساء ؛ لكن نظرات ملامح عينيها بعد وداعها لاتزال تقطر في ذاكرتي بعطر آخر .