بقلم…نادية عبدالعزيز قربان
من من جيل الشباب المتابعين لليوتيوب لا يعرف من هو KSI او PewDiePie ؟ فمنذ نشر اول فيديو على اليوتيوب عام 2005 بعنوان “Me at the zoo” وبالرغم من انه لا يتضمن أي محتوى هادف الا رجل يقف امام قفص فيل في حديقة الحيوان. وبالرغم من سوء جودة التصوير وخجل الرجل الذي كان يتحدث في المقطع الا انه انتشر بشكل واسع حول العالم. ومن هنا بدأت الرحلة . رحلة دخول جميع شرائح المجتمع بجميع أعمارهم من حول العالم الى منزلك . فهم يشاركونك تربية ابناءك و بناء قيمهم و مبادئهم و احلامهم. حتى أصبحت وظيفة اليوتيوبر بالنسبة لهم هي وظيفة الاحلام الممتعة و التي تدر الكثير من الربح . فهم لا يعرفون طبيعة الحياة خلف الكواليس و ما يعاني منه هذا المشهور من ارهاق و ضغط نفسي للوصول الى محتوى يساعده في زيادة عدد المشاهدات التي تعتبر مصدر رزقة . بالإضافة الى تطفل المتابعين الذي قد يصل بأحدهم لمرحلة الهوس و تجعل المشاهير يصفونها بالمزعجة. كل ذلك يجعل حياتهم ليست سهله .
وقد وضح Stokel-Walker, في كتابة الذي نشره في (2019) المراحل التي مر بها اليوتيوب و كيف اثر على المجتمع وكيف أصبحت اليوتيوب صناعة تدر الملايين. فهو موقع يلبي احتياجات جميع شرائح المجتمع بجميع الاعمار حول العالم هذا ما جعل اليوتيوب اكثر اقبالا هو تنوع محتواه و الذي يناسب الجميع دون استثناء فحتى كبار السن وجدوا مقاطع قديمة تم تحميلها تذكرهم بماضيهم وما يحبون من مسلسلات و أغاني او حتى مقاطع قديمة لمدينتهم تذكرهم بطفولتهم .
اعتمد اليوتيوب على المقاطع المقترحة في تصميمه فهو يجذب المشاهد للجلوس لاطول وقت ممكن فهو لا يساعده كي يشاهد ما يريد فقط بل هو يقترح عليه ما قد يريد مشاهدته و يتبع ذلك خوارزميات تعتمد على اكثر الكلمات التي تبحث عنها في قوقل و اليوتيوب فهو يقترح لك مقاطع حسب اهتمامك لان قضائك وقت أطول على اليوتيوب يعني زيادة عدد المشاهدات و بالتالي زيادة عدد الإعلانات . وتعددت القنوات والاهتمامات بين جيل الشباب من بنات وأولاد من قنوات تقدم المكياج والموضة وقنوات تقدم العاب الفيديو والاخبار واليوميات والسياحة والمعلومات العامة وبرامج المواهب … الخ. فقد لبى مشهوري اليوتيوب جميع الاهتمامات للمشاهدين من جميع الأنواع والاعمار. وقد قل الاقبال على القنوات التلفزيونية بشكل كبير من جيل الشباب او يمكننا القول انه لم يعد هناك أي شخص من جيل الشباب يشاهد قنوات التلفزيون. فمن وجهة نظرهم من يضطر الى مشاهدة برامج التلفزيون المحددة مع القدرة على مشاهدة ما يرغب به في الوقت الذي يريد. وبحلول عام 2018 ارتفعت فيه نسبة الأطفال الذين يقضون وقتهم في مشاهدة اليوتيوب الى حوالي 80 دقيقة يوميًا على الموقع.
مع الاقبال الكبير على اليوتيوب فقد وجدت فيه الشركات سوق خصبة لتصل اعلاناتهم لشريحة كبيرة حول العالم . ومن هنا اصبح اليوتيوب صناعة مربحة . فقد بدأ المشاهير عرض محتواهم على اليوتيوب في البداية فقد لايصال ابداعهم للاخرين حول العالم و لكن مع زيادة شهرتهم اصبح مصدر دخل يفوق الوظائف التي يعملون بها . ففضل الكثير الاستقالة والاكتفاء باليوتيوب كوظيفة والتي أصبحت تستغرق اغلب ساعات يومه تقريبا و بدأ يصبح عمل مرهق متواصل ولكن مقارنة بما يدره من ربح وحياة رفاهية فهو يستحق العناء من وجهة نظرهم .
وقد واجه اليوتيوب العديد من المشاكل منها عدم قدرته للوصول الى بعض البلدان كالصين وكوريا الشمالية , كما واجه مشكلات قضائية من بعض الشركات التي قاضت اليوتيوب كمنصة عرضت محتويات مقرصنة على موقعها عبر قنوات والتي لم تحصل على اذن بعرض هذه المحتويات . وبدأ اليوتيوب بعدها بمراقبة المحتويات لتفادي مثل هذه المشكلات . ولكنه واجهة بعد ذلك مشكلات أخرى حيث كانت محطة بث لمحتويات غير مناسبة كإستغلال الأطفال والإرهاب و المعلومات السياسية الغير صحيحة و كل ذلك جعل اليوتيوب في مأزق كبير مما أدى الى سحب بعض الشركات اعلانهم من الموقع حيث انه وجدوا من غير المناسب ان تظهر اعلاناتهم على مقاطع فيديو تحرض على الإرهاب و الكراهية . فبدأت بعدها اليوتيوب في زيادة التشديد و المراقبة للمحتوى و حذف المقاطع الغير مناسبه و تقليل احتمال ظهور بعض المقاطع التي تجدها غير مناسبة كمقترحات. وقد اثرت هذه المشكلات على المشهورين المبدعين على اليوتيوب لفترة ولكن الوتيوب تغلب عليها.
ومن جانب مشهوري اليوتيوب فإنه وفر فرصة للمبدعين والذين تم رفضهم في قنوات التلفزيون فوجدوا اليوتيوب منصة مناسبه لنشر ابداعهم . من جانب اخر قدم البعض محتويات غير جيدة و لكنها لاقت كذلك اقبال ومتابعين سواء مؤيدين او معارضين فما يهم المشهور هو زيادة عدد المتابعين . فأجد ان اليوتيوب اعطى الفرصة للمحتوى الجيد و الغير جيد للوصول الى المشاهدين. وكان Buckley الفلوجرز او من طلب على قناته الاشتراك في القناة و الاعجاب بالمقطع و بعدها انتشر هذا المصطلح على اليوتيوب و اصبح الجميع يستخدمها لحث المشاهدين على المشاركة في القناة مما يضمن للمشهور دخل اكبر . ووجد بعض المشاهير طريقهم الى اليوتيوب للتعبير عن اراءهم امام الكاميرا دون خجل و دون قيود وقد وجد هذا المحتوى كذلك اقبالا من المتابعين ,وهكذا كانت الأفكار تتجد على اليوتيوب و يقلدها الاخرون رغبة في نيل الشهره ذاتها والحصول على المكاسب المادية.
زاد عدد مشاهير اليوتيوب و زاد عدد متابعينهم مع الوقت حتى وصل عدد المتابعين عند بعضهم الى الملايين . وكان المتابعين يشعرون بالانتماء الشديد لمشاهيرهم في عالم اليوتيوب و يشعرون بالمسؤولية نحو المشهور فهم على وعي ان زيادة عدد المتابعين و زيادة عدد المشاهدات يعني زيادة دخل للمشهور الذي يحبون . وكان ذلك يشعرهم بالسعادة . فهم يشعرون ان هذا المشهور قريب منهم و يمثلهم فهو يناقش أمور يهتمون بها و يطرح اخبار و مشاكل تلامسهم و تلامس واقعهم و يشارك معهم حياته بشكل يومي دون تكلف او تصنع تلك من الأسباب التي زادت من اقبال الشباب على مشاهير اليوتيوب و اعتبار مشاهير هذا العالم اقوى بكثير من مشاهير هوليود . ويقوم هؤلاء المشاهير بتنظيم العديد من الفعاليات ومنها احدى مباريات الملاكمة التي تم تنظيمها لإثنين من أشهر اليوتيوبر في بريطانيا كان هناك اقبال ضخم على الحدث من حضور ومن متابعة النقل الحي وسبب ازمة اختناق مرورية ظلت لساعات وقد كان العائد المادي لهذا الحدث ضخم جدا ويعكس العدد الهائل الذي يتابع هؤلاء اليوتيوبر ويدعمهم. كما قام بعض المشاهير بنشر كتب لهم وقد سجلت تلك الفترة اعلى نسبة مبيعات للكتب في بريطانيا فقد كان الاقبال عليها كبير جدا من فئة الشباب. ووجد هؤلاء المشاهير كذلك ان بيع منتجات تحمل اسمهم يجد اقبالا كبيرا و يدر مبالغ إضافية لدخل الإعلانات . وفعلا لاقت هذه التجارة اقبالا كبيرا من المتابعين كذلك. ومن شدة تعصب المتابعين لمشاهيرهم على اليوتيوب فقد نال Rewind 2018 على اليوتيوب أكبر عدد من عدم الأعجاب في تاريخ اليوتيوب و” Rewind “هو فديو تقوم اليوتيوب بإنتاجه كل سنة لتلخيص ابرز ما تم عرضه وابرز القنوات على اليوتيوب لتلك السنة وكان من اهم أسباب عدم اعجاب متابعي اليوتيوب لهذا الفيديو هو وجود ويل سميث وذلك ليس لكرههم له او انه انسان غير جيد و لكن ببساطه وكما عبروا فهو ليس مشهورهم الذي يحبونه في عالمهم اليوتيوب فهم يشعرون بالمسؤولية والانتماء نحو مشاهيرهم.
ولم يكتف بعض المشاهير بما وصلوا له من شهرة ومكانه بل أرادوا زيادة عدد المتابعين وزيادة عدد المشاهدات فقد اصبح الربح عند بعضهم هوس. فقد وصل بعضها لحد الجنون كالقتل او تصوير جثث او تحديات خطرة قد تعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر وقد وجد في المملكة المتحدة وامريكا زيادة لبلاغات الطوارئ عند انتشار هذه التحديات الخطرة وقد زاد هذا الاتجاه للأسف عدد المشاهدات كما زاد عدد تقليد المتابعين لهذه التحديات الخطرة وتصويرها و نشرها وللأسف لم يكن يهم هؤلاء المشاهير الا زيادة عدد المتابعين وبالتالي زيادة دخلهم من الإعلانات وبعدها حاربت اليوتيوب هذه المحتويات و منعت نشرها.
من حيث المحتوى المقدم للأطفال فقد واجه الاباء مشكلة مشاهدة أطفالهم لمحتويات غير مناسبة ومنها تلك المقاطع التي يظهر فيها بالغون يرتدون شخصيات ديزني المحببة للأطفال ولكن يقدمون محتويات عنيفة او جنسية غير مناسبة للأطفال، وكان الهدف من هذه القنوات ليس الأطفال على حد قول أصحاب هذه القنوات الذين أنتجوا هذا المحتوى الذي يعتقدون من وجهة نظرهم انه قد يبدو مسلي للكبار ولكن للأسف فهو حسب الخوارزميات التي تعتمد عليها المقاطع المقترحة فمن المرجح ان يظهر أحد هذه المقاطع للطفل على وجه الخطأ. حتى بعد ان قامت اليوتيوب بإطلاق يوتيوب كدز فإن بعض هذه المحتويات ما زات تظهر. كما ان الرقابة الابوية تعتبر ضعيفة فعدد قليل من الاباء من يتابعون أطفالهم ووجدت أن هناك فرصة بنسبة 45٪ للطفل ان يصادف لقطات غير مناسبة خلال 10 نقرات من مقطع فيديو تم اختياره للطفل.
ومن المثير في عالم شهرة الأطفال على اليوتيوب وجعل قنواتهم اكثر احترافية وجود اكاديميات للأطفال من سن 11 سنه فما فوق كمخيم يقوم فيها الأطفال تعلم كيفية إنجاح قناتهم وجذب اكبر عدد ممكن من المتابعين وماهي المهارات التي يجب ان يكتسبها الطفل ليكون يوتيوبر ناجح على يد متخصصين .وصلت تكلفة الدروس المكثفة فيها لسعر 1700 يورو وقد وجد اباء هؤلاء الأطفال ان الامر مجدي ليجتذب أطفالهم اكبر عدد ممكن من المشتركين فمن وجهة نظرهم هذه وظيفة أطفالهم في المستقبل وعليهم ان يتحرفوا المجال .وقد واجه بعض الإباء تهمة استغلال الأطفال و حرموا من حضانة أطفالهم فقد وجدت المحكم ان جعل الأطفال يحرمون من طفولة طبيعية و اجبارهم على حياة الشهرة التي اكيد لا يمكن ان تكون سهله و تحتاج الى تكلف كبير تحت الأضواء مما يعني ضغوط نفسية كبيرة للأطفال خلف الكواليس .بالإضافة الى لك فأن عالم اليوتيوب مليء بالمنافسات بين مشاهيره التي لا يستطيع الطفل تحملها.
من جانب آخر فقد زادت نسبة المنافسة مع الشركات الأخرى في محاولة لجذب المشاهدين والتغلب على الاقبال الكبير في اليوتيوب. ومع زيادة الأنظمة والقوانين في اليوتيوب فقد فضل القليل منهم البحث عن منصة أخرى لإيصال محتواهم. فهل تستطيع هذه الشركات فعلا المنافسة وهل ستتغير هيمنة اليوتيوب على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. كل تلك التساؤلات تجعل من الخطر اعتماد المشاهير على اليوتيوب بشكل كامل كطريقة لكسب الرزق فمع تطور التكنولوجيا والعالم الرقمي والقوانين لا يمكن الوثوق بما يمكن ان يحصل في المستقبل. كل ما تم استعراضه من احداث و تنظيم في اليوتيوب و جعل اليوتيوبر وظيفة مرموقة يطمح اليها شباب هذا الجيل امر يحتاج الى وقفة. فنجد من جيل الشباب من يقبل ان يهين كرامته او يقدم محتويات غير مناسبة فقط ليصل لهذه الشهرة و يحصل على المكاسب التي يحلم بها . من جانب اخر فبعض المتابعين الشباب يجد من هؤلاء المشاهير ايقونات و قدوات فهل يا ترى يمكن اعتبار ذلك امر امن على منظومة القيم لمجتمعنا ؟ فقد اردت ان تصل رسالتي للآباء والمربين بعدم الاستهانة بهذا العالم الذي يدار بكل احترافية و هدفه الأساسي هو الربح المادي. فالجيل القادم امانه في اعناق جميع افراد المجتمع بجميع مؤسساته وافراده فواجبانا الحرص على هذه الأمانة و إعطائها حقها بالاهتمام و الرعاية و التربية و من وجهة نظري فالنقاش و الحوار هو الطريق الأفضل للوصول الى ثقتهم و احساسهم بالاهتمام. كونوا قريبن من اطفالكم و علموهم كيف يختاروا المحتوى و ينتقدوا الغير مناسب فمن الصعب ان تمنع أبناء هذا الجيل عن العالم و لكن اجعلهم هم من يختارون عالمهم….
ناديه عبدالعزيز قربان
عضو هيئة تدريس بجامعة ام القرى قسم طفولة مبكرة