#مجد_الوطن
#ساره_عربي
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: ثمة مقامات رضية، تبلغ بأهلها منازل الشرف، وتسمو بهم إلى معاقد العز، وتبوئهم محل القدوة من الناس، وتنزل بهم في طريق لاحب من رضوان الله، ومحبته سبحانه.
وذكر أنه يأتي في الذروة من ذلك مقام الإحسان، الذي يُفضي بصاحبه إلى فعل الأحسن والأجمل على الوجه الأكمل؛ فهو مقام يلتئم من الكمال والجمال. ولما كان الإسلام منبعًا للمكارم كلها؛ كان هذا المقام فيه على أتم صورة، وأشرف حال، وصار فيه عبادة من أجلّ العبادات، وإن مبتدأ الإحسان: إحسان المرء إلى نفسه، بدلالتها على خالقها وربها، وتجريد التوحيد له سبحانه، وعبادته على غاية الشهود والمراقبة، وتمام الإخلاص والمجاهدة، حتى يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) وهذه هي غاية الدين، وأعلى مراتبه، ونهاية منازله وليس وراءها للمؤمن مرمى؛ فإن المرء يصير بها كأنه يشهد ربه تبارك وتعالى رأي العين، ولا تَسَلْ عن حاله حينئذ من الخشية والمهابة والخشوع والخضوع والتذلل؛ فإذا علم أن ربه يراه في كل حال، ويطلع على دقيق سره، ولا يغفل عنه طرفة عين، كان ذلك مدعاةً له إلى إتقان العبادة وإجادتها وتكميلها في غير نقصان ولا إخلال، ودون سآمة ولا كلال.
وأضاف: المؤمن محسن في صلاته التي هي لقاؤه بمحبوبه، ومناجاته لربه، فيؤديها على غاية الكمال: يطمئن في ركوعها وسجودها، ولا يختلسها اختلاسًا، ولا ينقرها نقرًا، غير ذاهل عنها، ولا مشتغل البال بغيرها؛ بل يؤديها بسكون طائر، وخفض جناح، وجمع خاطر، وتفريغ لب. وهو محسن في زكاته أيضًا، التي هي طهرة لماله، ونماء لكسبه، ومواساة لإخوته من ذوي الفاقة؛ فيؤديها إلى أهلها: في وقتها، من غير بخس، راضيةً بإخراجها نفسه، لا يمن بها، ولا يؤذي طالبها، ولا يشح باتباعها بالتصدق المستحب؛ إمعانًا في الجميل، وإبلاغًا في الإحسان.
وأردف إمام المسجد الحرام أن المؤمن محسن في صومه، الذي هو ترك الشهوة لله تعالى، فيتعبد به تعبدًا خاصًّا، ويبلغ به من الإحسان إلى أعلى مراتبه؛ فإنه يترك أحب الأشياء إليه من غير اطلاع أقرب الناس في ذلك عليه؛ إيثارًا لاطلاع علام الغيوب، وشهودًا لمراقبته، وهذا هو لب الإحسان وحقيقته وجوهره؛ فالصيام مورد من موارد تحقيق الإحسان أعظم بهو أجمل وهو أيضًا محسن في حجه، الذي هو إجابة محب لدعوة حبيبه، وقصد زيارته في بيته؛ فيتم جميع أعماله لله تعالى، مباعدًا للرفث، مجانبًا للفسوق، نائيًا عن الجدال، قد أقبل بكليته على مولاه، يأنس من نفسه جلالة الـمزور، فيتحفظ من أن يراه ربه في بيته وحرمه، وعلى بساط كرمه، مُخِلًّا بأدب، أو مُضَيّعًا لفرض، أو مقصّرًا في عمل، فحجه مشهد من مشاهد الإحسان الكبرى، وموقف من مواقفه العظمى، وإن المؤمن ليمتد إحسانه إلى غيره، ويعم من سواه، فإذا استجمع خلال الإحسان إلى النفس، دأب على ترويضها على الإحسان إلى المخلوقين، في أبواب من الإحسان مشرعة لا منتهى لها، كبذل الندى، وبسط الوجه، وصنع المعروف، وإغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب، والتفريج عن المهموم، وسد الخلات، وقضاء الحاجات، وإطعام أهل المسغبة وكفالة الأيتام، والسعي على الأرامل، وتزويج الأيامى، وعيادة المرضى، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وغير ذلك مما لا يحصى.
وبيّن أن من مشاهد الإحسان التي هي ذكرى للعابدين، ومنار للسالكين والمحسنين، ما جاء في خبر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وأشار إلى أن للإحسان إلى النفس وإلى الناس عواقب حلوة الجنى، طيبة الثمر، كريمة الأثر؛ فأولها أن المحسن ينال درجة المحبة، وينعم بخالصة المعية، كما قال سبحانه وتعالى: {إن الله يحب المحسنين}، وثانيها أن رحمة الله أقرب ما تكون من المحسنين، كما قال تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}، وثالثها أن المحسن موعود بالإحسان، كما قال جل ثناؤه: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، ورابعها أن المحسن من أهل المحسنين قال تقدست أسماؤه: {وبشر المحسنين}، وخامسها أن ثواب المحسن محفوظ عند الله، وإن خفي عن الناس أو جحدوه قال عز وجل: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين}، وسادسها أن الإحسان يعقب في قلب صاحبه لذةً لا مثل لها، قال بعض العلماء: “إن أكبر لذات الدنيا هي لذة الإحسان”، ولعل هذه اللذة داخلة في بشارته تعالى للمحسنين؛ ألا وإن في كل ذلك لباعثًا يبعث المرء على السير في درب المحسنين؛ فيكون له في كل قول إحسان، وفي كل فعل إحسان، وتكون حاله كلها دائرةً مع الإحسان.