مقالات مجد الوطن

القطاع الثالث: آفاق تنموية

 

عبد القادر عوض رضوان *

لعل القاسم المشترك في كل الحراكات التي تتم على المستوى الرسمي أو الخاص أو من خلال مؤسسات القطاع غير الربحي هو ترسيخ مفهوم الأنسنة في الوعي الجمعي وإبراز الإنسان أولاً في جميع المشاريع الحاضرة والمستقبلية.
بالأمس أعلن سمو ولي العهد استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للسنوات الخمس المقبلة، وقال -يحفظه الله-: ” تأتي الاستراتيجية الجديدة مرتكزاً رئيساً في تحقيق طموحات وطننا الغالي نحو النمو الاقتصادي ورفع جودة الحياة وتحقيق مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة في مختلف القطاعات”، حيث يستهدف الصندوق بنهاية عام 2025 بأن يتجاوز حجم الأصول 4 تريليونات ريال واستحداث 1.8 مليون وظيفة، مبيناً سموه أننا ” لا نستثمر في الأعمال والقطاعات وحسب بل في مستقبل المملكة والعالم”.
وبالأمس أيضاً برز جلياً دور القطاع غير الربحي في صناعة مستقبل الاستثمار من خلال مبادرة (مستقبل الاستثمار) التي تنتمي مؤسستها للقطاع غير الربحي والتي لامست في دورتها الرابعة آفاق صناعة المستقبل للاقتصادات العالمية ما بعد جائحة كورونا، ليبقى (الإنسان أولاً) في جميع تلك الفعاليات.
كل تلك المعطيات ترسم الآفاق التنموية للمستقبل منطلقة من رؤية واسعة الدلالات عميقة الأثر، تخطَّت مفهوم المحلية منطلقة الى الإقليمية فالعالمية.
ولأن الإنسان هو المحور الأساس لهذه الرؤية المحلِّقة في آفاق المستقبل، لم تخلُ كل استراتيجياتها من إبراز ذلك، فدعمت القطاع غير الربحي محددةً هدفها تجاهه بأن يكون مساهماً في الناتج المحلي بما يعادل 5% منه، داعمة المشروع التطوعي بتحديد آفاقه بما يتجاوز المليون متطوع، راسمةً الأبعاد الحقيقية للمستقبل اعتماداً على ترسيخ مفهوم التمكين والاستدامة في جميع الأهداف الاستراتيجية التي أحاطت بها المستقبل المنشود.
وقد كان لجمعية البر بجدة موعدٌ مع ترجمة تلك المستهدفات العامة جاعلةً إياها أهدافاً استراتيجية لها عبر تقديم عدد من الأهداف التشغيلية التي تعكس نضج المشروع التنموي في سياسة الجمعية، فكان الحرص على توسيع الشراكات مع مختلف القطاعات وكان الاهتمام بترسيخ مفهوم التمكين سواء للأيتام أو للأسر المحتاجة، ومزاوجته بمفهوم الاستدامة، وكان التركيزُ على التوسع في المشروع التطوعي عبر نادي البر التابع لها مع تقديم عدد من الحِزم التحفيزية للمتطوعين من خلال تسجيلهم في منصة التطوع واحتساب ساعات تطوعية في سجلَّاتهم.
كما كان الاهتمام أيضاً بالتحليق في آفاق التنمية من خلال جناحي التقنية والاستدامة، فجاء التركيزُ على المُخرَجات الرقمية لتيسير تقديم الخدمات.. عبر الموقع الإلكتروني وبوابة البر وتطبيقات الهواتف المحمولة ثم أجهزة الخدمة الذاتية، التي تُيسِّر على المتبرعين والمستفيدين، والتي كان آخرُها جهاز الخدمة الذاتية الذي تم تدشينه بمستشفى الدكتور عرفان والذي يقدم بطاقات إهداء للمرضى يحصل عليها الزائرون لهم بعد تقديمهم تبرعات من خلال الجهاز لدعم الأسر المستفيدة والأيتام ومرضى الفشل الكلوي المسجلين في جمعية البر، وهي التي تَدخل بإذن الله في باب الصدقات وتتركُ أثراً كبيراً في نفوس المرضى مترجمةً مدلولاً سامياً يحمل مفهوم: (هدية وصدقة).
ليبقى الهدفُ العام والخاص هو (الإنسان أولاً)، وليبقى تحقيقُ مستهدفاتِ رؤية المملكة في الاستدامة والتمكين والتطوع والتقنية الرقمية هدفاً استراتيجياً بلورته الجمعية ضمن عِقدٍ من الأهداف الأخرى، من خلال مشاريعها وأنشطتها وبرامجها.
إن تلك المنظومة التي تعملُ من خلالها جميع القطاعات لترجمة المشروع النهضوي الكبير للدولة، تُعتبر رافعة أساسية في دعم هذا المشروع الذي يلامس البُعد الديني في ترجمة معنى الاستخلاف وعمارة الأرض.. يقول تعالى: (وعَدَ اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحاتِ لَيَسْتَخلِفنَّهم في الأرضِ كما استخلَفَ الذين من قَبلِهم، وليُمكِّنَنَّ لهم دينَهُمُ الذي ارتضَى لهم، وليُبدِّلنَّهم من بعدِ خوفِهم أمناً، يعبُدُونني لا يُشركونَ بي شيئاً…).
* المستشار الإعلامي بجمعية البر بجدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى