مقالات مجد الوطن

منام

 

محمد الرياني

وتغيبُ عنه حتى يظنُّ أنَّ الأوقاتِ تتمددُ بالغياب،وأن الليلَ يضمُّ معه النهار ، يفتشُ في جيوبِ الوقتِ فلا يجد إلا صفحاتٍ بيضاءَ مثلَ براءتِها ، قلقٌ أصابَه والوقتُ يكتبُ الغيابَ ولا سواه ، اختفاءٌ لم يعهدْه وهي التي تتنفسُ كلماتِه ، تسرقُ من الوقتِ وقتًا كي تسمعَه وتلجمُ صوتَها ليكونَ ملَكَ الوقتِ في نظرها ، يقبضُ كفَّه ثم يَفتحَها كي تسرعَ الثواني وتستعجلَ الساعاتِ دون جدوى ، في اللّحظةِ التي اتخذَ فيها قرارًا باختراقِ صمتِها وفكِّ لُغزِ اختفائها جاءت لتعتذرَ منه ، أجهشت بالبكاءِ كي تُعيدَ له بسماتِه وضحكاتِه التي كانت تسعدُها ، سألته عن أثرِ الغيابِ الذي أَحدَثتهُ وكأنها ذكرتهُ بما يشبه السكين التي وضعتها في جانبه ثم غابت دون أن يجد وسيلةً لإيقاف النزف ، كذَبَ عليها لأوَّلِ مرة وأنها لاتعني له شيئًا مثلَ شيءٍ عابرٍ تركَ أثره ومضى أو غادرَ كالدخان ، لم تصدقه وأقسمت أنه كاذبٌ في كذبه ، أو صادقٌ وإن كذَب ، ردَّ عليها بأن الوقت ينزفُ وهو يتجهُ للخلفِ والدقائق تمشي بتثاقلٍ مثلَ مشلولٍ لم يحتمل المسير ، انفجرت ضاحكةً وقالت لقد غبتُ لتُبطأَ اللحظاتُ من حولك ولأعرفَ مَنْ أكون أنا ؟ تنهَّدَ تنهيدةً عميقةً وتركها ولاتزال تعتذر ، أشرقت الشمسُ وهو في سباته ،فتحَ عينيه وهي حوله ، ظنَّ أنَّ الوقتَ لايزال يتثاقل ، نبهتهُ من منامه ،قال لها : ما أسرعَ الوقت! كيف مرَّ الليلُ بهذه السرعة؟ مازحتْهُ برقّةٍ : لأني بتُّ عندك ….حقيقةً لم أعرف أحلامَك ، هل رأيتني في منامك؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى