مقالات مجد الوطن

طاقيَّة

 

محمد الرياني

بسطتْ جارتُنا أمُّ يحيى عشرَ طواقٍ على كرتونٍ صغيرٍ واتخذتْ من ظلِّ جدارٍ قديمٍ مكانًا تبيعها فيه، صوتُها الأخنُّ وحياؤها لايسمحان لها بالمناداةِ لتفرِّقَها على الزبائن، ترسمُ أوراقًا على بعضها وتزينها أحيانًا بالقوارب الصغيرة على جوانبها ، وفي المواسم ينقشون لها عباراتِ النجاح، سألتُها عن الثمنِ وأنا أضعُ يدي على جيبي الفارغ، باعتْ كلَّ طواقيها باستثناءِ واحدة عادتْ بها في يدها، تألمتُ لأنني نجحتُ وأنا أرى على الطاقيةِ البيضاءِ ” ياطالب العلم مبروك النجاح” قلتُ لها ياخالتي توددًا لقد نجحت ، هل أُطلعكِ على شهادتي ودرجاتي العالية، حركتْ إصبعين من أصابعِ يدها نحوي تقصد النقود ، طأطأتُ رأسي ونادتْني تسألني عن أمي، قلتُ لها أنا ابنُ فلانة بهمسٍ حتى لا يسمعني مرتادو السوقِ وبعضِ الناجحين الذين اشتروا طواقي الفرح، قالتْ أأنت ابن فلانة؟ حركتُ رأسي فأقبلتْ نحوي تضمني، ثم وضعتِ الطاقيةَ على رأسي وأنا أكادُ أطيرُ من الفرحة، وضعتُ عبارةَ النجاحِ في المقدمةِ ليراها أهلُ الحيِّ من أجلِ أن يباركوا لي، سكنَ الليلُ ولاتزالُ على رأسي، عبرتْ بائعةُ الطواقي من دارنا لتحضرَ عرسَ ابنةِ الجيران، داستْ بقدمِها على الطاقيةِ التي سقطتْ على الأرض بينما كانت تمرُّ بجانبي، تناولتْها وضربتني بها على رأسي، أيقظتني من النومِ وهي تهزأُ بي : هل طاقيتي تستحقُّ هذا الامتهان، أتتركها للأقدام لتدوسها؟ من أجلِ أمِّك أهديتُها لك، وقفتُ أمامَها وأنا أقبِّلها وأعتذرُ منها ، نفضتُ الغبارَ الذي علِقَ بهديةِ النجاح ثم ارتديتُها، جلستْ على سريري لتتأكدَ من شهادةِ نجاحي ، ارتفع صوتُ الاحتفالِ بالعرس، قادتْني لأحضرَ معها بينما العروسُ تنتصبُ على كرسيٍّ مرتفع، اخترقتِ الحفلَ وأنا معها تجرني بيدها ، قالت لشاعرةِ الزواج: نريدكِ أن (تغطرفي) لهذا الصغير، شهقتُ ورفعتُ طاقيتي البيضاءَ وعليها شعارُ النجاح، وضعوا لي أحدَ الكراسي الصغيرةَ على الأرض لأجلس عليه ، احتفلوا بالعروسِ وهم يَقسمون الفرحةَ بيني وبينها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى