مقالات مجد الوطن

ماذا قالتِ البعوضةُ للذبابة ؟

 

محمد الرياني

صغيرتي الجميلةُ تحبُّ أن تجلسَ على فخذي وهي تأكل، لأنني أدلِّلُها أكثرَ فتأنسَ بالجلوسِ بالقرب مني ولاتكتفي بهذا فهي مرحةٌ فيكثر بيننا المزاحُ على الرغمِ من عمرِها الصغيرِ وقصورِ فَهْمِ مَن هُم في مثلِ عمرها، أنا بطبعي عندما أرى الطعامَ أنسى نفسي فلا أُعيرُ ملابسي ولا ساقي الظاهرةَ اهتمامًا فيقعَ بعضُ الطعامِ عليها سواءً على طرفِ ملابسي أو على ساقي الأكثر ظهورًا، الصغيرةُ قد تكونُ أكثرَ احترازًا مني ولايظهرُ الأكلُ إلا حولَ فمها الأبيضِ الصغير، فيظهر الإدامُ الملونُ أو الأخضرُ كبقعٍ جميلةٍ تزينُ خدَّيْها، ليس هذا المهم؛ المهمُّ أنَّ طنينَ بعوضةٍ بغيضةٍ ظهر قريبًا مني ومنها وأتبعَها هبوطُ ذبابٌ يكادُ يلدغُ كالبعوضِ وقَعَ على ساقي، سألتْني ببراءةٍ وقد رأتِ الذبابَ يحفرُ في البقايا التي كنتُ السببَ فيها وأنا أتناولُ الطعامَ دون اكتراث، سألتْني عن الصوت، قلتُ لها هذا صوتُ بعوضة، هذه حشرةٌ خطيرةٌ ربما تقود الواحدَ لأخذِ إبرةٍ ضدَّ الحرارةِ التي تُحدِثُها، انسلختْ من على فخذي وهي تريدُ الهربَ خوفًا على ساقِها الصغيرة، قلتُ لها لاعليك، كنتُ أمزحُ معها لأطمئنَها بأنَّ الصغارَ يسلمون من الزائرةِ الكريهة، قلتُ لها لقد أخذتْ نصيبَها من دمي واختفتْ بعدما أطلقتْ شارةَ الفوزِ ببعضِ دمي، قالت والحشرةُ التي رأيتُها تقتاتُ على ساقك، قلتُ هذا مسكين، هذا مثلُ متسولٍ مشردٍ رثَّ الملابس لاأخافُ منه كما أخافُ البعوضةَ التي تلدغُ بسرعةٍ ولا أراها، قالت بصوتِها الطفولي وهي تضعُ كفَّها على رجلِها : فهمتُ ، ولستُ متأكدًا من أنها فهمتْ ، أو أنها كالأطفالِ عندما يستمعونَ إلى الحكاياتِ يقولون هكذا، شبعتُ وقلتُ لها : لقد شبعتُ من الأكل، قالت وأنا شبعتُ وهي تضعُ يدَها على بطنِها، قلتُ لها قومي عني، فعلتْ ونهضتْ واقفة، ضحكتْ وهي تتنهد، وأنا أنظرُ إليها، قالتْ بابا بابا، قالتها مرتين : أنا رأيتُ البعوضةَ التي قرصتْك وأنتَ منهمكٌ تأكلُ بشراهةٍ وبجوارها الذباب، كان ذبابًا برأسِه بقعٌ باللونِ الأزرق، فزعتُ من كلامِها وأنا أفكرُ في الحرارةِ بسببِ هذا الهجوم، قالت أريدُ أن أسألكَ سؤالًا : يبدو أنَّ البعوضةَ التي طارتْ وهي تصيحُ قد قالت للذبابةِ شيئًا، ماذا قالتِ البعوضةُ للذبابة؟ ضحكتُ حدَّ الإسراف، قلتُ لها وأنا أضحك : قالت لها : التحقي بي إذا شبعتِ ، نظرتْ نحوي وهي تضحك: ها ها هاها، قلتُ الآنَ دعيني أغسلْ يدي، وسأذهبُ لأشتري مبيدًا قبل أنْ يكثرَ الطنينُ حولَ ساقي، ردَّتْ عليَّ ببراءة، لن أسألك مرةً ثانيةً عن الذي تقوله إحداهما للأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى