مقالات مجد الوطن

٢٤ روايتي: شرارة وبناتها حرائق!!

 

حضر الحارس ومعه رئيس العمال إليها وكان يرتدي لباس العمل الموحد، دار الحديث بينهما، وروت فيما روت “أن زوجي قتل في مثل هذا اليوم في بلدة (جاف) القريبة من هذا المكان، بعدما انتقل إليها للحرب لقد كان جنديًا مخلصًا يوثر الضعيف قبل القوي على نفسه، لطالما طيبته الزائدة الفائقة عن الحد تسبب له المتاعب وقد تكاثرت بعد أن بسطت إنسانيته سيطرتها على عقله، وهذا كله كان بسبب جده الاناني الذي كان يستغله ويستهلكه في أعباء منزله وحياته، هذا السيء القذر المقزز لقد سرقه مني ودمر حياتنا.. لكم أمقته.. أمته!”، ثم انتحبت حتى جف فمها وألمتها حنجرتها.
أحزن ملخص قصتها رئيس العمال وأتباعه، حاولوا تهدئتها بكلمات رطبات حتى تبل معانيها عروقها اليابسة، وقبل أن تغمس فيها وريدًا لها، هطلت زخات المطر عليهم، فرحوا بها حتى اغتسلت أرواحهم، ثم سألها رئيس العمال عدة أسئلة، وهي أجابته كما يبدو بنية طيبة وطوية سليمة عن جميع الأسئلة التي ألقها عليها.
قال رئيس العمال: “من المؤكد كأي امرأة تحلم بمملكتها الخاصة، يا ترى ما هي مواصفات مملكتك؟”
أتتها الجرأة ونطقت بالحقيقة: “كنت أحلم ببيت مميز ليس له مثيل غريب عجيب يضم الحديث والقديم نصفه ضخم عظيم يكون ظاهر للعيان ونصفه السفلي مخابئ ودهاليز”.
سألها بضيق: “هذا الحلم باهظ ثمنه، من أين لكِ قيمته وكيف لكِ أن تملكينه؟”
لمحت بأسلوب نسائي دون أن تقول مباشرة انها أرملة: “ليس كل أرملة لا تحتكم على المال”، ثم قالتها بامتنان: ” نعم يا سيدي.. مال يحققه ويزيد”.
كان فمها كأبريق الشاي كلما أحست أن برد التردد سيجمدهم صبت عليهم منه مشروب حقوق زوجها المالية الساخن كي تعدل أمزجتهم وتدفئهم، وحين تأكدت أن الوقت قد حان لغسل أدمغتهم من الشكوك العالقة بها كبقع الشوكولاتة في الملابس البيضاء قامت كي تنظفها بصابون صدقها، فسارت مسافة مترين تقريبًا ورفست تحت وطأة قدميها وقالت: “هنا برهاني وصدقي”، ثم أخذت جاروفًا كي تحفر حفرة عمقها ٣ أمتار وعرضها ٣ أمتار، وحين همت بالحفر، أخذ منها الجاروف أحد العمال وفكر من المحتمل أن جميع ما سبق ذكره قد يكون صحيحًا، فقام بهذه المهمة وتشارك معه عمال آخرين. قال رئيسهم: “أن صدقت سنساعدها على تحويل مجرى حياتها إلى ما كانت تتمنى؛ لأنها هي من أرادت ذلك”، أجابوه بضربات يد رجل واحد، وشرعوا في الحفر إلى أن جلب أحدهم الحفارة واستلم تلك البقعة نبش حتى بزغ لهم شيئًا، أخرجوه فإذا هي صرة حجمها كبطن حامل التؤام الكثيرة العدد، اقتربت ولادتها، كانت ملفوفة بقطع قماشية عديدة مليئة بالتراب من أثار الدفن العميق.
كانت تتساقط عليهم قطرات الغيث، ووجوهم نظرة للغاية، ربطوا الصرة بذراع الحفارة وسحبوها إلى مسكن المرأة الصغير ولم يستغرق أمر فتحها لحظة تفكير، وهناك بين نظرات الفرح والدهشة أصبحت الأمزجة صافية بعد أن توقفت عن الشك والتنقيب، طمأنتهم وثبتت لحواسهم صحة قولهم، وعقب ذلك تحكمت كريموت كونترول، مفتعلة ثقة تامة بهم، وبكلمة شرف منهم وبكلمة حرة منها جرا الاتفاق المبدئي بينها وبينهم على سرعة البناء.
هنا تلخص للحارس حلمه خير تلخيص فبعدما شنف الاتفاق مسامعه وتكحلت عيناه بما رأى من الأموال المستخرجة من مدفنها شعر انها طارت من بين يديه، وإنها لن تكن له في يوم ما وستبقى حلمًا يراوده طيلة مشوار عمره، “كنت فقط يا قلبي تهيم في الحب الخطأ والبديل غير مناسب للتصحيح” هكذا قال لنفسه.
الروح/ صفية باسودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى