مقالات مجد الوطن

{{ قصة رحلة }}

 

الصخور ذات الأطراف الحادة ..

وعورة الأرض وتضرسها اللامتناهي ، صنعت خطوات من دم ..

ولكن كفي الأمل تدفع الى الأمام بنعومة وتحث على المسير ..

والأمل يواكب ، ويرسل همسات مشجعة بين الفينة والأخرى مع ذرات الرمال وصراخ الرياح ..

تلك الهمسات كانت تغذي الجسد الممزق وتعيد له الحياة ..

ويُنتزع الجسد متخلصاً من جاذبية الأرض تاركاً باطن قدميه الملتصق بالصخور ..

ثم في ساحة خضراء ، تتوسطها نافورة ماء تغني وتنثر لآليء ألحانها الفضية على العُشب وُجد من جديد .

هزته الفرحة وأفاقته وهي تسري في عروقه وتعيد النور الى عينيه .

تمايلت الأشجار العالية المكونة لسور الساحة وهي تصفق بأوراقها وتنحني مرحبة بمقدمة .

وذرات الأكسجين المتطايرة تنطلق من مئات الأزهار تحمل بين كفيها ذرات عنصر عطري غريب عبق الجو برائحته .

….

وعند الخطوة الأولى حنت أوراق زهرة على قدمه واحتضنتها وأشارت لأخرى أن تستقبل القدم الآتية إليها .

وأتى صوت خفيض ورقيق وهامس وخفي إنه صوت السعادة ..

أوه ..لقد عاد الجسد إلى منشأة ..

من هنا انطلق وبُعث للحياة

.. لكم أقصته الظروف عن موطنه ، لكم تمادت الأيام في إبعاده .

اليوم لا شقاء . لا ألم . لا دماء.

 

وفي قاعة وثيرة مترامية الأطراف جلس على كرسيٌ فاقت وثارته كل نعومه ..

و ابتسم كل شيء..

الجدران .. الأبواب ..الأزهار ..والأوراق

وانطلقت الكلمات متشابكة الأيدي ترقص رقصة فلوكلورية جميلة ..

لقد عادت للأشياء روعتها وجمالها .

أغمض الجسد عينيه وحضن الأرض وانطلق طائراً بين السحاب ..

أيها الثلج يا من تجمد كل شيء

جمد العالم عند هذه اللحظة .

 

كم يغفل المرء عن بعض الوقائع وهو في أوج سعادته ناسياً أو متناسياً ..

انطلقت كلمة تسعى بكل قوة .

تصعد طبقات الهواء المختلفة وتتشبث في طريقها بسلم من ذرات الغبار .

أسنانها مشعة شديدة اللمعان .

تمسك بيدها سوط لا سع .

تسعى خلف الجسد مسرعة تطلب منه الخروج .

وهو يجري محاولاً أن لا تمسكه ..

قاومها كثيراً جداً..

قاومها ركوعاً وخضوعاً..

قبل الثرى ولم ترحمه .

قاومها صراخاً متشققاً ..

عرى بقايا جسده . رأت آثار سياط الأيام موزعة على أجزاءه

ولم تهتز..

تحول الى مرآة ضخمة انعكست عليهاكل صور ماضيه ..

ولم تلتفت إليه ..

إن هذا موطنه ..

أيتها الكلمة اتركيه يكون جزء من شيء في كل شيء .

إن في المكان لمتسع ، إن الأبواب مفتوحة ، فلماذا تغلقينها في وجهه.

ثم لماذا لم تغلقيهامن قبل ! أين كنتِ ؟

لماذا تركتيه يعيش النعيم لو ساعة ..

لا تعيديه الى شقائه اليائس ويأسه الشقي ..

ألا تدركين أنه لا يبرح الألم بمخلوق قط مثلما يفعل بمن فقد شيئاً جاهد في سبيله جهاداً مستميتاً .

يا للجسد المسكين . إن الكلمة لا تملك آذاناً . إنه يكلم نفسه .

إنها لا توضح ولا تتكلم ..

لقد تركت آذانها ولسانها في مكان آخر ..

إنها أيضاً لا تشعر فمشاعرها مثقلة بالثلوج ..

ثم ..

ثم لماذا توضح له..

تمكنت منه . زُرعت تحت جفنيه وتأرجحت في عقله ..

ولكنه استمر يقاومها .

إن مقاومته لم تجدي . إنه يُقتل

ولا ينجح في الخلاص أبداً من وصلت السكين الى عنقه ..

تعثر مراراً وهوى .. وفي كل مرة كان ينهض يبحث عن وسيلة ..

يبدي رجاءه .

ينظر الى أذرع سرابية ممتدة تتلاشى عند ملامسته ..

بكى وأبكى كل شيء .

فهو لا يريد الخروج ..

لقد شفي من جراح الحياة ،، وخرج من حياة الجراح .

تمسك بالسطح الأخضر الندي فانزلقت يداه ..

تمسك بالتراب العطري وعفر به وجهه لكنه ذاب بين كفيه ..

تمسك بالأزهار فأدمت أشواكها أصابعه ..

تكور وأمسك بأغصان الباب في قوة ..

والكلمة ريح ترفعه وتقتلع عينيه وتكسر أطرافه ..

ثم تقذف به من جديد إلى أرض التفاهه والهامشية والقسوة

انغرز فيها شبه مختنق ..

أصبحت الأرض أكثر تضرساً ووعورة

أو هكذا بدأ يشعر بها ..

لقد أضعفت رحلته الى عالم النعيم بقاياه وضاعفت آلامه وشلت إرادته.

ضاع منه الأمل . ومات حلمه ،

 

وزاد اليأس من ثقل خطواته ، وتمزُق قدميه

وخطوات اليأس دوماً أثقل الخطوات

 

د / ظافرة القحطاني

5 / 9 / 1421

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى