مقالات مجد الوطن

رجوع

 

محمد الرياني

الشيءُ الذي كان يتخيله يقوم بفعله في الغالب، في أحد الأيام كان يتأمل نفسه أمامه مرآة الدولاب التي يرى جسمه فيها من رأسه إلى قدميه، انتابه شيءٌ من الغرور وهو يرى صورته في المرآة، رفع بصره وهو يتخيّل نظارته التي يضيفها إلى أناقته والتي كان يتعمد إرجاعها إلى أعلى لتستوي على شعره الأشقر الكثيف ، يعجبه أن يرى شعره يتدلى على بدلته ذات اللون الكحلي التي يفضلها، يهزُّ رأسه مرة لليمين وأخرى لليسار على صوتٍ يدندنه بنفسه؛ صوته يدفعه ليقول شيئًا عن الإحساس الذي يعيشه، النصفُ الآخر من جسمه الناعم يرتدي له بنطلونًا رماديًا ليتواءم مع لون بدلته، هكذا يراه متناسقًا في عالم الألوان ، على معصمه يفضل أن يضع ساعة بجلد أسود ؛ فهذا اللون يظهر التمايز بشكل واضح مع لون بشرته، وفي الوقت الذي لا تزال فيه المرآة تنتصب واقفة يتخيل مشيته وهو يلبس حذاء بربطة خلفية أنيقة تلتفُّ حول طرف البنطلون ، وجد في دولابه الذي تنتظم فيه الملابس المتعددة الألوان مايناسب تخيله بما في ذلك الحذاء بربطته، وقبل أن يخرج مزهوًّا قام بفتح النافذة ليرى الجو، الزجاجُ المعتم في نافذةِ غرفته لم يسمح له كي يبصر حقيقة مايجري خارجها، السماءُ في غاية الجمال، الصغارُ في الشارع يطاردون المطر وهو يطاردهم، كانوا في غاية المرح، لم يكن عليهم ملابس فاخرة كما يفعل، قرَّرَ أن يشاهدهم عن قرب؛ عهدُهُ بمرحِ الطفولة منذ أن كان مدللًا لايضع قدميه في الوحل عند نزول المطر، اقتربَ منهم فجعلوا ينظرون نحوه بلا اكتراث، لا يعرف لماذا همتْ عيناه بالدموع وسطَ أبرياء يرتدي معظمهم سراويل قصيرة وقد اغتسلوا من السحاب، طلبَ منهم أن يبقوا في أماكنهم يمارسون اللهو واللعب، عاد إلى سريره، وقف عند المرآة وفي نفسه غبطة من أطفال اللهو ،  بحثَ في دولاب قديم لعله يجد مايناسب ملابسَ المطر ، فتح الشباك ليرى الصغار من جديد وهم يمارسون الركض ، رجع ليشاركهم بملابس أخرى وهم يفتحون أفواههم للقطرات الباردة، القوسُ التي اعترضتْ في السماء لم تدم ألوانها طويلًا وقت المطر ، ترك المكان وهو يفكر في زوال تلك الألوان الزاهية  ، في غرفته أدار سريره إلى جهة أخرى بعيدًا عن المرآة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى