أجمعت جميع كتب الفلسفة على فكرة مفادها: أن السخرية ثمرة للحرية، وباب واسع لتفريغ مكنونات الأفراد عما يدور بدواخلهم من أقوال ومواضيع إن طرحوها كما هي، يتعرضون للنقد اللاذع من مجتمعاتهم، إلا أن السخرية تغيرت في مضامينها من عصر إلى آخر، واختلف الهدف منها ايضاََ تبعاََ للظروف والأحداث التي تمر بالشعوب.
أود هنا أن اختصر مقالتي بعصرنا هذا ووقتنا الحالي تحديداََ، والذي انحرفت فيه السخرية عن الهدف المنشود كما كانت في الماضي، وتلونت عبارات السخرية من نقد غير مباشر للواقع إلى حالة من الهروب من الواقع إلى عالم النكتة التي تحولت إلى صورة من التجريح والتلميح تجاه الأشخاص والأفراد والجماعات، بغض النظر عن الهدف من تلك العبارات، المهم تنطلق عبارات السخرية لتأخذ مفعولها عند الناس لتبدأ مرحلة من الهزل بمعناه الشامل، فتشكلت جراء ذلك نوع جديد من ثقافة السخرية الهدامة لا البناءة، وتحول المجتمع إلى مجموعة من المتنافسين على ابتكارعبارات من شأنها أن تضحك أكبر عدداً من الناس، وخاصة عند إطلاقها في مواقع التواصل الاجتماعي التي تساعد في نشرها بسرعة.
وما بين قهقهاتنا واعجاباتنا بفن السخرية والتهكم، بقي واقعنا على ما هو عليه، دون تغيير، أو خلق ثقافة تحفز على الإنجاز كنتيجة افتراضية لتلك السخرية، وأصبح الأشخاص مادة دسمة للتندر الذي امتزج بالتنمر وجلد الآخر، فاتسمت المرحلة التي نحن فيها بالامبالاة وعدم الاكتراث لتبعات السخرية ونتائجها السلبية على الفرد والمجتمع، وخروجها عن الحدود الأدبية والأخلاقية والهدف المنشود منها في وصف الواقع بلون مختلف، وبات من الضروري أن نحد من هذه الظاهرة وذلك بالالتزام بالحدود المعقولة، وعدم تبادل المواد المسيئة الخالية من أي رسالة أو مادة تذكر.
وختاماََ نأمل أن لا تنقلب ثقافة السخرية إلى سخرية الثقافة، ونتنازل عن حصافة الفكر والدقة في الاختيارعند تبادل المعلومة أو نقلها، إلى السطحية و الظلامية في الطرح .
د. انتصار الزيود