فقدان الشغف..في التعليم!
بقلم: احمد حسين الاعجم -جازان
صديقي جامعي وموظف حكومي يقول :
قبل عشر سنوات او اكثر قليلا
ابني الاكبر درس في مدرسة ثانوية متميزة بمعظم طاقمها
لكن ابني كان معجب كثيرا بأحد المعلمين ويحبه ويحب حصصه ودائما يتحدث عنه مادحا في البيت والسيارة
ظل يمدحه طوال الثلاث السنوات الثانوية
وكان من ضمن مدحه له انه الوحيد الذي يجعل كل طلاب الفصل يقرأون في الكتاب حتى الذين قراءتهم ضعيفة يشجعهم حتى تتحسن قراءتهم
وكذلك في المناقشة يناقش الجميع
وايضا انه عادل بين الطلاب
وانه غير عصبي لكنه يضبط الطلاب بقوة شخصيته وبهدوء
وغيرها من الصفات
واذكر اني ذهبت للمدرسة للاطمئنان على وضع ابني وقابلت المعلم وكان نعم المعلم الهادئ البشوش
وتحدثنا واخبرته بحب واعجاب ابني بشخصيته وانه يراه قدوته
فانبسط حقيقة بالامر واثنى على ابني كثيرا
وبقي المعلم محفوظا في قلبي وقلب ابني بصورته الجميله المستحقة
وبعد تقريبا خمسة عشر عاما درس اخر ابنائي في نفس الثانوية
وكان شقيقه الاكبر يقول له : ياحظك سيدرسك الاستاذ فلان !
وكان الابن الاصغر متشوق هو الاخر للامر
فدرسه في اولى ثانوي معلم اخر
وفي ثاني ثانوي درسه مدرس شقيقه
وهنا بدأ الحوار بين الشقيقين عن المعلم
لكن رأي الابن الاصغر كان مختلفا بل صادما لشقيقه خاصة
فقد قال : ان المعلم ممتاز كمعلومات وضبط للحصة
لكنه يؤدي بلا نفس كمن يلقي واجبا ليتخلص منه !!
حتى اننا لا نركز معه كثيرا
وهو لا يهتم بالامر فالاهم عنده ان يخلص الدرس !
واضاف : معلمنا لنفس المادة في اولى ثانوي حصته حياة
حماس ويرفع صوته ويخفضه ويطلع بنا شوية لعالم كرة القدم
وشوية لعالمنا كشباب ويطقطق علينا بمحبة
ويعود للدرس
ويناقش
ويطرح اسئلة تحدي
فالحصة اشبه بجلسة جميلة فيها معلومات وترفيه وضحك وكل شيء
ولذلك نكره ان تنتهي حصته!
فرد شقيقه قائلا : انت تبالغ !
لايمكن لمعلم ان يصل مستوى المعلم فلان ابدا
قال الشقيق الاصغر :
باختصار انا اشوف
معلمك المبدع
لازال مميزا
لكنه
فقد الشغف !!!
وهذي نقطة قاتلة في مهنة كالتعليم
واضاف :
ياخي لدينا معلم في مادة صعبة وهو اكبر سنا من معلمك المحبوب
لكنه لازال مليئا بالشغف وحب المهنة والمادة
وقسم بالله حصته حياة
رغم صعوبة المادة وكبر سنه
باختصار :
التدريس شغف
وبدون الشغف
لن ينجح المعلم مهما كانت معلوماته واساليبه !
ياخي الشغف يساعد المعلم حتى على ضبط الحصة لأنه يجذب الطلاب طوال الحصة فلا يجدون وقتا للعب والكلام
وختم ابني الصغير قائلا :
تبغى تعرف اهمية الشغف شوف كريستيانو رونالدو
وحماسه في الملعب
وهو في هذا العمر وفي لعبة تحتاج مجهودا بدنيا
مقارنة بغيره من اللاعبين !
قلت لصديقي الموظف:
ماشاء الله على ابنك الله يحفظه
لكن ماذا عنك انت
ما رأيك ؟
قال :
والله ياخي الجيل هذا وعيه مدهش
وكلام الابن الاصغر واقعي
وخلاني ارجع بالذاكرة لأيام دراستي وكيف كان فيه معلمين حصصهم حياة
ومعلمين حصصهم ميته
لازلنا نذكر القسمين تماما
بس زمان ماكنا نعرف مصطلح ( شغف )!
واضاف :
الحمدلله ان وظائفنا لا تحتاج الشغف كالتعليم
فنحن شغلنا تعبئة معلومات وتوقيع اوراق
لكن اعتقد ان كلامه رسالة لكل معلم فحواها :
اذا فقدت الشغف ..فارحل !
قلت :
لا حرام عليك
هنا انا اختلف معك
لأن التعليم وظيفة ومصدر رزق وسبب قيام بيوت وانشاء أُسر
فكيف يرحل ؟ والى أين يذهب ؟ وكيف يعيش ؟
وبعدين ترى فقدان الشغف واحد من اسبابه كبر السن
لكن له اسباب اخرى
وهنا اتفق معك على ان المعلم كبير السن اذا شعر بفقدان الشغف فليرحل
لكن…
ماذا عن معلمين لهم خمس وعشر وخمسة عشر عاما فقط في التعليم
وفقدوا الشغف !
اذا علينا ان نعرف الاسباب الاخرى لفقدان المعلمين للشغف
ومنها اسباب داخل ميدان التعليم نفسه وهذا هو المهم
فالرسالة للوزارة اذا وهي :
انها مثلما تحرص على ايجاد بيئة تعليمية جاذبة للطلاب وحققت نجاحات جيدة في هذه النقطة
فيجب ان تحرص على ايجاد بيئة تعليمية جاذبة للمعلمين ايضا
والوزارة الان وفي خضم تركيزها على التغييرات الادارية والتنظيمية مثل :
( الاستخدام الامثل للمباني المدرسية والموارد البشرية في الميدان التعليمي )
وهي خطوات عظيمة ومحمودة وجميلة
الا انه نتج عنها بعض السلبيات التي أثرت بشكل كبير على وجود الشغف عند المعلمين
وهي سلبيات لا يفهمها الا مجرب في الميدان
ومن هذه السلبيات في رأيي الشخصي :
– كثرة عدد الطلاب في الفصل الواحد وهو عائق كبير للمعلم في اداء واجبه بشغف فالعدد يصل في بعض الفصول الى اكثر من اربعين طالبا !
– كثرة الفصول في المدارس المجمعة
فتخيل معلم يمر فصل واحد مكون من شعب
أ -ب-ج-د-هـ
ليشرح درسا واحدا مكررا
اي شغف سيحتفظ به مع هذا التكرار الممل !
– ومنها ان بعض المعلمين أسندت لهم مواد لم يسبق لهم تدريسها
خاصة في المرحلة الابتدائية وهو امر يحتاج جهدا مضاعفا من المعلم للبحث عن اساليب وطرق تدريسها الصحيحة
وهو أمر يتناقض مع وجود الشغف تماما !
– ومنها ضعف وسوء اختيار القيادات الادارية في بعض المدارس
فجودة القيادات الادارية ووعيها وطريقة تعاملها ودقة التنظيم الداخلي للمدرسة عامل مهم في ايجاد الشغف ليس فقط لدى المعلمين
بل حتى عند الطلاب !
والعكس بالعكس تماما !
– وأخيرا وهو عامل مهم جدا
الفصول الثلاثة
فالفصل الدراسي الثالث
مثال حيّ يشرح بوضوح معنى فقدان الشغف لدى الطلاب اولا والمعلمين ثانيا !
وهذا أمر يلمسه كل ولي أمر منصف
بما فيهم مسؤولي الوزارة !
وغير ذلك من السلبيات التي يعرفها من هم في الميدان
اكثر ممن هم خلف المكاتب !
فاذا انا اتفق معك على أن وجود الشغف عنصر مهم جدا في التعليم
لكن
على الوزارة كمرجعية ادارية
وعلينا نحن كمجتمع
دور كبير ومهم في مساعدة المعلمين على اداء رسالتهم العظيمة بحب ورغبة وشغف .