مقالات مجد الوطن

إدارة المخاطر في الجمعيات الأهلية

 

الكاتبه/نوره الدباغ

 

تواجه الجمعيات الأهلية في المملكة العربية السعودية تحديات كبيرة في تحقيق الاستدامة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة والمتغيرات البيئية والاجتماعية. تعتمد استدامة هذه الجمعيات على قدرتها في تبني استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر، مما يتطلب تحديد وتقييم المخاطر ووضع خطط للتعامل معها بفعالية.

 

إدارة المخاطر في الجمعيات الأهلية تشمل جميع أنواع المخاطر التي قد تواجهها، سواء كانت مالية، تشغيلية، استراتيجية، أو تتعلق بالسمعة. هذه المخاطر يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الجمعية على تحقيق أهدافها وتقديم خدماتها للمجتمع. المخاطر المالية تشمل التحديات المرتبطة بتأمين التمويل اللازم لاستمرار الأنشطة والخدمات. في أوقات الأزمات الاقتصادية، قد تواجه الجمعيات انخفاضًا في التبرعات والتمويل، مما يتطلب تطوير استراتيجيات مثل إعداد خطط طوارئ مالية تتضمن سيناريوهات مختلفة للأزمات وكيفية التعامل معها، والاحتفاظ بجزء من الميزانية كاحتياطات مالية لمواجهة الطوارئ والنفقات غير المتوقعة.

 

المخاطر التشغيلية تتعلق بكفاءة العمليات اليومية للجمعية. يمكن أن تشمل هذه المخاطر تعطل الأنظمة التقنية، فقدان البيانات، أو حدوث أزمات داخلية مثل نقص الموظفين أو المتطوعين. لتجنب هذه المخاطر، يجب على الجمعيات تطبيق إجراءات صارمة لإدارة الأزمات والتأكد من وجود خطط بديلة لكل عملية حيوية. المخاطر الاستراتيجية ترتبط بقدرة الجمعية على التكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية والداخلية. قد تتعرض الجمعيات لتغيرات في اللوائح والقوانين، أو تواجه صعوبات في تنفيذ استراتيجياتها طويلة الأمد. لذلك، يتعين على الجمعيات أن تكون مرنة في استراتيجياتها وأن تتابع التطورات بشكل مستمر لتعديل خططها وفقًا للمتغيرات.

 

المخاطر المتعلقة بالسمعة تعتبر من أخطر أنواع المخاطر التي قد تواجهها الجمعيات الأهلية. فقد يؤدي أي حادث يؤثر سلبًا على سمعة الجمعية إلى فقدان ثقة المتبرعين والمستفيدين والمجتمع بشكل عام. لذا، يجب على الجمعيات الاهتمام بسمعتها من خلال تطبيق معايير الشفافية والمساءلة، والتواصل المستمر مع جميع الأطراف المعنية. حيث أن إدارة المخاطر الفعالة تتطلب تبني نهج شامل يشمل جميع جوانب عمل الجمعية. من المهم أن يتم تحديد المخاطر المحتملة بشكل دوري وتقييم تأثيرها واحتمالية حدوثها. وبناءً على هذا التقييم، يمكن للجمعيات تطوير استراتيجيات محددة للتعامل مع كل نوع من أنواع المخاطر.

 

هناك نموذج عالمي ناجح في إدارة المخاطر هو جمعية “الصليب الأحمر الأمريكي”، التي واجهت تحديات مالية كبيرة خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008. تراجعت التبرعات بشكل ملحوظ، مما أثر على قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية. لمواجهة هذه التحديات، تبنت الجمعية استراتيجية شاملة لإدارة المخاطر تضمنت تحسين كفاءة العمليات من خلال مراجعة شاملة لعملياتها واعتماد تقنيات جديدة في إدارة الموارد وتحسين العمليات اللوجستية. كما زادت الجمعية من جهودها لبناء شراكات استراتيجية مع الشركات والمؤسسات الكبرى، التي شملت الدعم المالي المباشر والتبرعات العينية، بالإضافة إلى تعاون في تنظيم حملات جمع التبرعات الكبرى.

 

و قامت الجمعية أيضًا بإعداد خطط طوارئ تتضمن سيناريوهات متعددة للأزمات المحتملة وكيفية التعامل معها، بما في ذلك إنشاء صندوق احتياطي للطوارئ لضمان توفر السيولة اللازمة في أوقات الأزمات. بفضل هذه الاستراتيجيات، تمكنت جمعية “الصليب الأحمر الأمريكي” من تجاوز الأزمة المالية العالمية بنجاح. لم تتمكن الجمعية فقط من الحفاظ على مستوى خدماتها، بل تمكنت أيضًا من توسيع نطاق عملها وزيادة تأثيرها المجتمعي. هذه التجربة أثبتت أهمية التخطيط الدقيق وإدارة المخاطر بفعالية لضمان استدامة الجمعيات الأهلية في مواجهة التحديات.

 

و في الختام، تعتبر إدارة المخاطر عملية حيوية لضمان استدامة الجمعيات الأهلية في المملكة العربية السعودية. من خلال تبني استراتيجيات شاملة لإدارة المخاطر تشمل المالية، التشغيلية، الاستراتيجية، والسمعة، يمكن للجمعيات تعزيز مرونتها وقدرتها على التكيف مع التغيرات، مما يساهم في تحقيق أهدافها التنموية واستمرار تأثيرها الإيجابي في المجتمع. المدير التنفيذي بجمعية التنمية الأهلية بوادي جازان : نوره الدباغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى