
فاطمه بكري
جازان _ العارضة
الحروف هي الوعاء الذي يحتوي أفكارنا ومشاعرنا، هي الأداة التي نتواصل بها مع العالم من حولنا. لكن هل فكرت يومًا أن الحروف قد تموت حين تقال؟ قد تبدو العبارة غريبة للوهلة الأولى، لكن إذا تأملناها، سنكتشف فيها عمقًا يتجاوز ما قد تراه العين لأول مرة.
عندما نُطلق الحروف دون أن يكون لها معنى حقيقي، أو عندما نستخدمها كأداة لتخدير الحقيقة أو الهروب من الواقع، فإنها تصبح فارغة، وكأنها موت في حياة الكلمات. الحروف لا تعيش في أفواهنا فقط، بل هي تنبض بالحياة عندما تأتي صادقة، عندما تحمل معها جزءًا من الروح، وعندما تعبر عن مشاعر حقيقية تنبثق من أعماقنا.
ومع ذلك، ليس كل ما يُقال يستحق أن يُقال. فالكلمات التي تخرج دون تفكير قد تكون مؤذية، قد تجرح القلوب أو تخلق انقسامات لا مبرر لها. الحروف التي تُقال في لحظات الغضب أو اليأس تموت في لحظتها، لأنها لا تحمل إلا الألم والندم بعد ذلك. لذا، نلاحظ أن الحروف الحقيقية لا تأتي إلا من قلب مليء بالصدق والإيمان، وهي تلك التي تبقى حتى بعد أن تُقال، لأن تأثيرها لا يتوقف عند لحظة نطقها.
من جهة أخرى، عندما نكتشف أن هناك كلمات لا يمكن التعبير عنها بالألفاظ، فإننا ندرك أن هناك مساحة أكبر من الحروف نفسها. فبعض المشاعر لا يمكن للحروف أن تحيط بها أو أن تعبر عنها بشكل كامل. هنا، تصبح الحروف في لحظة معينة بمثابة حد للخيال، وتصبح الصمت أو النظرة أو حتى اللمسة أكثر قدرة على التعبير عن ما نريد قوله.
وفي عالم يتسارع فيه كل شيء، نجد أن الكلمات تفقد جزءًا من معناها إذا لم تكن محمَّلة بمشاعر حقيقية. قد نسمع الكثير من الكلمات الجميلة يوميًا، لكن قليلًا ما نلاحظ أنها تُقال من قلب صادق، مما يجعل الحروف في النهاية تفقد قدرتها على التأثير، وتصبح مجرد صدى فارغ. إن الحروف تموت حين تقال بلا إيمان أو بلا نية صادقة وراءها، لكنها تعيش حين تُقال بصدق ووفاء.
وفي النهاية، الحروف تبقى حية حين تُنطق من الأعماق، حين تصدر من شخص يعلم أن ما يقوله هو انعكاس لروحٍ لا تخشى التعبير عن نفسها. الحروف الحية هي تلك التي تنبع من الحب، من الحزن، من الفرح، أو من الصدق المطلق. وكلما كانت الحروف نابعة من هذه المشاعر، كلما كانت قادرة على البقاء، على التأثير، وعلى الحياة بعد أن تُقال.