متابعات
يُطلقُ لفظُ المهارة في اللغةِ العربيةِ ويرادُ به الماهِر، وهو الحاذِق، كما ورد في الحديث الشَّريف قولُ الرَّسول – عليه الصلاة والسلام -: ((مَثَلُ الماهِر بِالْقُرْآنِ مَثَل السَّفَرَة))؛ اللفظ للترمذي، وليس معناها في العصر الحاضر ببعيدٍ عن ذلك.
عُرِّفت “المهاراتُ الحياتية” في القاموس التربوي بأنَّها: “القدرة على أداءِ وظيفةٍ معينة، أو تحقيق هدفٍ معين.
يُعرِّف مكتبُ التربية العربي لدول الخليج المهاراتِ الحياتية بأنها: “المهارات التي تعنى ببناءِ شخصيةِ الفردِ القادر على تحمُّل المسؤولية، والتعاملِ مع مُقتضيات الحياةِ اليوميَّة على مختلفِ الأصعدةِ الشَّخصية والاجتماعية والوظيفية، على قدرٍ ممكنٍ من التفاعل الخلاَّق مع مجتمعِه ومشكلاتِه بروحٍ مخلصة”.
وقيل في تعريف المهارات الحياتية للتلاميذ: “إنَّها مجموعةٌ من المهارات التي يحتاجُها التلميذ لإدارة حياتِه، وتكسبُه الاعتمادَ على النَّفس، وقَبول الآراء الأخرى، وتحقِّقُ الرِّضا النفسي له، وتساعدُه في التكيف مع متغيراتِ العصر الذي يعيشُ فيه، مثل مهاراتِ التَّواصل، والقيادة، والعملِ الجماعي، وحلِّ المشكلات، واتخاذ القرار”.
ومن خلال التعريفات السابقة، يمكنُ أن نستنتجَ عدمَ اتفاقها على تعريفٍ محدَّدٍ للمهارات الحياتية، إلا أنَّ غالبيتَها تركِّز على المتعلِّم والسَّعيِ لإعدادِه الإعدادَ الشَّامل الذي يهدِفُ إلى نجاحِه في التَّعامل، والتكيُّف مع مواقفِ الحياة المختلفة.
لكن استنتاجُ أنَّ المهارة سلوكٌ يُشترطُ له شرطان جوهريان، أولهما: أنْ يكون موجَّهًا نحو إحرازِ هدفٍ أو غرضٍ معين، وثانيهما: أنْ يكون منظمًا بحيث يؤدِّي إلى إحرازِ الهدف في أقصر وقت ممكن، وقد اشتملتْ تعريفاتُ المهارة بشكلٍ عام على ثلاثةِ عناصر أساسية لأيِّ مهارةٍ، هي: الجهد، والوقت، والإتقان
ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ المهارةَ ليست مقتصرةً على العمل المؤدَّى بشكلٍ مهني فقط، بل إنَّها تشمل أيضًا الكفاءةَ التي يمتلكها أيُّ شخصٍ في أيِّ مجال، سواء كانت كفاءةً عقلية، أو بدنية، أو اجتماعية، فعلى سبيل المثال نجدُ أنَّ بعضَ الأشخاص يتميَّزُ عن غيرِه بمهاراتِ القيادة، والآخر بمهاراتِ التفكير، وثالثٌ بمهاراتِ العلاقات الحسنة مع الآخرين، بينما تقل فيمَن عداهم نسبة التقدير.
المقصودُ من ذلك: الوصولُ إلى أنَّ “المهارات الحياتية” كمفهومٍ واحدٍ، له عددٌ من الخصائص نذكرُ منها باختصار:
1- أنَّها متنوِّعة، وتشملُ جميعَ الجوانب المادية كالمهاراتِ الأدائية، وغير المادية كمهاراتِ التفاعل في مواقفِ الحياة.
2- اختلافها من مجتمعٍ لآخر، تبعًا لاختلافِ المجتمعاتِ والاحتياجات.
3- تعتمدُ على طبيعةِ العلاقة التبادُلية بين الفردِ والمجتمع، والفردِ ودرجةِ تأثيرِ كلٍّ منهما على الآخر.
4- أنها تستهدف تفاعلَ الفردِ التفاعلَ النَّاضج مع الحياةِ، وتطوير أساليبِ معايشة الحياة.
5- تحتاج إلى التَّدريب والمِران المتكرِّر، حتى تكونَ أقرب إلى العادة.
6- أنَّ اكتسابَها في سنٍّ مبكرة أفضلُ؛ لأنَّ ذلك يساعِدُ على تمكُّن المتعلمِ من المهارة.
7- تختلفُ باختلافِ سنِّ المتعلِّم، فمهارات الصَّغير تختلفُ عن الكبير، وتعليمُ المهارة لسنِّ الابتدائية ليستْ نفسَ الأساليبِ التي يُدَرَّبُ عليها طالبُ الجامعة.
ولأهمية اكتساب المهارات الحياتية لجميعِ مراحل التعليم العام؛ لزم المربين القيامُ بتثقيف الطُّلاب بها، والاجتهاد في التغيير الجذري لأساليبِ وأنشطةِ التعلُّمِ المستخدمة في مدارسِنا اليوم، والتي يغلبُ عليها مع الأسفِ الطَّابعُ التقليدي المملُّ، الذي جعل الطَّالب ذلك الجسدَ الكسولَ المستمع لما يُلقى عليه من المعلومات والمعارف، دون ربطِها بجوانبِ حياتِه المختلِفة، السَّبب الذي جعل هذه المعارف تنتهي بانتهاءِ الحصَّة الدِّراسية، ولعلَّ في تفعيلِ مجال المهارات الحياتية لديهم، والتحول من الاهتمامِ بالكمِّ إلى الكيف، ومن الجمودِ في العمليةِ التعليمية إلى المشاركةِ والفَاعليةِ – خروجًا من هذه التقليدية، وتحقيقًا للأهدافِ بجميعِ أنواعِها.
خصائص المهارات الحياتية :
1- التعلم مدى الحياة
تحصيل وتحسين وتطوير المهارات الحياتية عملية تستغرق وقتا وقد تستمر مدى الحياة ، والتعلم مدى الحياة هو أسلوب أساسي يركز على تطبيق المهارات بطريقة متضامنة في عدد من المواقف التعليمية والاجتماعية وأماكن العمل .
2- التفكير على مستوى عال
تطوير المهارات الحياتية يحتاج من الطالب أن يمزج ويطبق المعلومات والمهارات بإدراك ومعرفة في مواضع ومواقف عديدة.
3- المهارات الحياتية هي مهارات في الإمكان تعلمها وتعليمها
المهارات الحياتية تتداخل وتتطور من خلال التربية التعليمية والتمرين والمناهج الدراسية.
4- المهارات الحياتية تحتاج للتحديد والتعيين
المهارات الحياتية تحتاج للتحديد والتعيين وتحتاج للمعرفة والتداخل في:
أ- فلسفة هيكل التدريس .
ب- هدف الوحدة الدراسية .
ج- النتيجة التعليمية المرغوبة .
د- طرق التقويم .
5- الموضوع :
المهارات الحياتية تدرس أو تحصل في سياق موضوع أو مهارة محددة أو حقل معين.
6- المهارات الحياتية هي طرق ووسائل:
طرق ووسائل المهارات الحياتية تحتاج من التعلم :
أ- أن يحدد الهدف
ب- تطوير خطة العمل
ج- تطبيق خطة العمل
د- تقييم النتائج وأساليب العمل .
7- التقويم والتفكير والمراجعة :
المهارات الحياتية تتطلب أن يتواجد للطلاب فرص التقييم والتفكير في تعلمهم وتحصيلهم ومدى تحسن أدائهم ونوعيته.
8- التداخل والاتصال والترابط :
المهارات الحياتية تتصف بالتداخل والاعتماد التراكمي ، ومهمة التدريب على إحدى المهارات أو النشاطات عادة تستلزم عددا من المهارات الحياتية ..
مِن وجهة نظري أنَّ لتحديد المهارة الحياتية المناسبة العديدَ مِن الأسس العِلميَّة والمنهجيَّة، التي يُمكن أن تُسهِم في تحديدِ المهارات المناسبة، ومنها:
1- مراعاة مراحِل وخصائص النموِّ والحاجات للفِئة المستهدَفة فتحدّد المهارة الحياتيَّة للمتعلِّمين الأطفال على سبيلِ المثال بما يتناسَب وخصائصَ نموِّهم، وعقلياتهم واحتياجاتهم، وواقعهم البِيئي والاجتماعي، وكذلك الأمر بالنِّسبة للمراهقين أو الكِبار.
2- التأكُّد من أنَّ المتعلِّمين في حاجةٍ إلى تنمية مهاراتِ الحياة التي تَمَّ اختيارها، فلو كان المتعلِّمون على سبيلِ المثال يُتقنون مهارةً معيَّنة في أيِّ مجالٍ من المجالات، فلا حاجةَ إلى استهدافها لديهم والانتقال إلى تطويرِها أو غيرها.
3- سؤال المختصِّين والمهتمِّين بالتربية وعِلم النَّفْس وعلم الاجتماع عن المهارات الحياتيَّة المناسِبة لكلِّ مرحلة مِن المراحل المختلفة.
4- مراعاة الحاجات العارِضة للمتعلِّمين والمستجدَّات الحديثة، التي تجعلهم في حاجةٍ ماسَّة لمهارة حياتيَّة لم يكونوا متقنين لها كمهارةِ التعامُل مع التقنية الحديثة ووسائل الاتِّصال المختلفة، ومهارات القِراءة السريعة؛ مواكبةً للتطوُّر المعرفي الهائل، وبمعنى آخر: تقدّم اختيار المهارة بتقدُّم التطوُّر الحديث.
5- ربْطها بالتصميم أو البرنامج الذي سوف تتمُّ تنمية المهارات مِن خلاله، والذي تتوافَر فيه أُسس التصميم السليم، ومنها:
– مراعاة الأهداف العامَّة والخطوط العريضة لسياسةِ التعليم المتعلِّقة بالمرحلة المقصودة.
– تحديد الأهداف المتنوِّعة للدَّارسين، بحيث تكون شاملةً للمعرفة والمهارة.
– تحديد الأساليب التعليميَّة والاستراتيجيات المُعِينة على تنمية المهارة الحياتيَّة للمتعلِّمين كاستراتيجية التعلُّم التعاوني والتعلُّم الذاتي، ولعب الأدوار، والتي يتَّصف التعلُّم معها بالتعلُّم النشِط.
– تصميم الأنشطة التعليميَّة المهاريَّة المناسبة لمرحلة المتعلمين.
– ربْط المتعلِّم ببيئته ومجتمعِه بمختلف مؤسَّساته ووسائله من مؤسَّسات إعلاميَّة وثقافيَّة؛ رسمية أو غير رسمية.
– التخطيط السليم لتنفيذ التعلُّمِ، من خلال التصميم المعتمَد مِن خلال كتابة الخُطة، واختيار المعلِّمين والمدرِّبين الأكفاء.
– التأكُّد مِن استمرار المتعلِّم في تنمية مهارات الحياتيَّة مِن خلال ممارسته لها باستمرار، حتى يمكنَ وصفُها بمستوى العادَة لدَى المتعلِّمين.
تنمية المهارات الحياتية الخمس:
تُعدّ كلّ مهارة من المهارات الحياتية ذات أهميّةٍ كبيرةٍ يجب العناية بها من خلال تطويرها لدى الشخص، وهذه المهارات هي:
1- مهارة حلّ المشكلات واتخاذ القرار
وهي المعروفة بالتقييم الشامل للمهارات التي يتمتّع بها الفرد؛ لتُمكّنه من حلّ المشكلات التي تعترضهُ وتسبّب عائقاً له، أمّا مهارة اتّخاذ القرار فيمكن تعريفها بأنّها قدرة الفرد على إصدار حكمٍ معين على موقفٍ تعرّض له بعد دراسة البدائل المختلفة له، ويذكر إبراهيم الفقي أنّ ما يُساعد على تنمية مهارة حلّ المشكلات واتخاذ القرار ما يأتي:
– التّحكّم بالشعور الداخليّ، والأحاسيس، وبالسلوك، وبالفعل؛ حيث يصبح لدى الفرد القدرة على اتّخاذ القرار الصائب.
– اتّخاذ القرار الصحيح هو نجاحٌ للذات، وهو محصّلة تفكير مستمر جعل للفرد القدرة على اتّخاذ القرار.
– على الإنسان أن يكون واضحاً في اتّخاذ القرار، وعليه معرفة ما يُريد، وإلّا فلن يحقّق ما يسعى إليه.
– عدم التأثّر بالضغوط الخارجيّة عند اتخاذ القرار مهما كانت التحدّيات كبيرة والمؤثّر الخارجيّ قويّ؛ حيثُ يجب أن يكون الإحساس الداخليّ مُفعم بالإيجابيّة والإيمان بأنّ الفُرص ما زالت موجودة لتحقيق الأهداف الموضوعة.
2- مهارة الوعي الذاتي والتعاطف
مهارة الوعي الذاتيّ: هو مقدرة الفرد على الوعي بالانفعالات التي تُصيبه، وبانفعالات الآخرين المحيطين به، ومعرفة ما يشعر به، واستخدام هذه المعرفة في إصدار قرارات ناجحة وسليمة.
مهارة التعاطف : التعاطف هو قدرة الفرد على تفهُّم مشاعر الآخرين، أمّا مهارة التعاطف فهي قدرة الفرد على التعامل مع ردود أفعال الآخرين الانفعاليّة؛ حيث تكون لديه المعرفة بمشاعر الآخرين، وقراءتها، وتمييزها من خلال أصواتهم، أو ما يظهر عليهم وليس بالضرورة ممّا يقولون.
3- مهارة التفكير الإبداعي والتفكير الناقد
مفهوم التفكير: يُعرّف التفكير بأنّه معالجة الفرد العقلية لمدخلاتهِ الحسيّة؛ بهدف تشكيل الأفكار لإدراك الأمور والإحاطة بها، ثمّ الحكم عليها بصورة منطقية، وإصدار القرار فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ كلاً من من (هولفس وسميث وباليت) يُعرّف التفكير بأنّه ليس وصفاً لشيءٍ ما، وإنما هو استخدام المعلومات الموجودة حول شيءٍ معين للتوصّل منها إلى شيء آخر، وهذا يُدعى بالابتكار.[٦]
مهارة التفكير الإبداعيّ: هي الطريقة التي تجعل الفرد مُدركاً للثغرات في العناصر المفقودة، والبحث عن مؤشّرات ودلائل لسدّ هذه الثغرات وإجراء التعديلات اللازمة، ومن سمات التفكير الإبداعيّ أنّه يستند إلى الخيال، وهذا الأمر يتطلّب قدرات تخيُّل كبيرة بعيدة عن الواقع المحيط، وبعيدة عن التفكير المنطقيّ؛ حيث لا تحكمه قواعد المنطق.
أمّا التفكير الناقد: فهو القدرة على التمييز بين الحقيقة والرأي، والقدرة على استنباط المعلومات، وكذلك معرفة التناقضات المنطقية ومقدرة الفرد على التنبؤ.
4- مهارة إدارة الانفعالات ومواجهة الضغوط
تُعرّف إدارة الانفعالات بأنّها القدرة على كظم الغيظ، والقدرة على التحكم وضبط الانفعالات والمشاعر تجاه الآخرين، وتُعرّف الضغوط النفسية بأنّها مجموعة من العوامل الخارجيّة التي تضغط على الفرد بشكلٍ كاملٍ أو بشكلٍ جزئيّ، وتُشعره بالتوتر، أو قد تؤثّر على سلامة شخصيّته.
5- مهارة التواصل مع الآخرين
مهارات التواصل مع الآخرين أو ما يسمّيها البعض بمهارات التفاعل، أو المهارات الاجتماعيّة، أو مهارات التعامل مع الآخرين، أو الكفاءة الاجتماعيّة؛ حيث تمتاز هذه المهارة بإمكانيّة تعلّمها من قِبل جميع الناس مهما تباينت مستوياتهم التعليميّة، أو اختلفت شخصيّاتهم وتباينت، فمهارة التواصل مع الآخرين تحتاج إلى تدريبٍ مستمر كباقي المهارات الأخرى،] ويُضيف إبراهيم الفقي في كتابه سحر الكلمة بعضاً من الأمور التي تُنمّي مهارة التواصل مع الآخرين، وهي:
– ابدأ يومك بالتفاؤل، فأنت تختار أن تكونَ سعيداً أم تعيساً، فهذا اختيارٌ شخصيّ.
– إقناع النفس بأنّ اليوم سيكون أفضل من الأمس، فالأمس مضى وانتهى، والغد لم يأتِ بعد، فيجب أن يُشغل تفكيره في يومه الذي يعيشه، وينقل هذه الفكرة إلى الأشخاص المحيطين به.
– تعويد النفس على التلفُّظ بكلماتٍ مبهجةٍ؛ فهي التي تزيد العلاقات الطيّبة والتعامل بلطف مهما كان مزاج الشخص سيّئاً.
– تقبّل الآخرين وصفاتهم التي هم عليها، والبعد عن النقد الدائم والتذمّر عمّا يَصدُر عنهم.
لذا فإن المهارات الحياتية مهمة في حياة المتعلم كي يتقن الكثير منها ويتعايش مع أقرانه في الحياة ويكتسب العديد من السمات والصفات التي تعينه على التميّز والتفوق والإبداع في الحياة .
بقلم حسين بن يحيى الحنشلي
ماجستير تربية إسلامية – جامعة الملك خالد
معلم وتربوي ناشط في التدريب والعمل التطوعي وخدمة المجتمع والأنشطة والبرامج والفعاليات المتنوعة