مقالات مجد الوطن

زيارة

 

محمد الرياني

تجهزنا للذهاب من أجل زيارة خالة (شقراء) في قريتها البعيدة عنا مسافة ساعتين، لبس الأولاد ملابسهم، نصحناهم :كونوا مؤدبين، لاتعبثوا بأشياء جدتكم شقراء، هي امرأة مقطوعة وليس معها أحد يصرف عليها، أخذنا معنا حبًّا أبيض، يعجبها الحبُّ الأبيض تطحنه وتخبزه، نعرف عنها ذلك وهي شابة صغيرة قبل أن تتزوج وتنتقل لتسكن بعيدًا عنا، وضعنا أشياءنا على جَمَلنا الأحمر، كنا نسميه الأحمر، هادئ وساحلي وصبور، انطلقنا منا خمسة، أم الأولاد ركبتْ على حمارها، تخاف أن تركب الجمل بسبب طولها ووزنها وصغيرها أمامها، وركب الآخران معي على الجمل، وصلنا والظل لايزال يمتد تحت عشتها، رأتنا مقبلين بعيد، تركت مطحنتها التي تطحن عليها وأقبلت ترحب وتسهل بعدد خطواتنا، برك الجمل، ربطنا الحمار عند الحمار، سلم الصغار عليها في رأسها، فتحتُ عن كيس الحبوب، شهقتْ وهي ترى الحب الأبيض! أفرغتْ منه الثلث على الحبوب الحمراء التي على المطحنة، جلسنا حولها، وهي تطحن وتسأل عن حالنا وأخبارنا، لم ترض أن يساعدها بالطحين أحد، التهى الأولاد بمطاردة الدجاج في فنائها الواسع، فرحت كثيرًا بهم، لم تنجب أولادا، بقيت وحيدة بعد وفاة زوجها، تركت المطحنة وذهبت لوضع الحطب في التنور وتشعله، الجرار منكبة على أعناقها خالية من الماء، أومأتُ للكبير من الأبناء أن يَرِدَ إلى البئر لملء جرتين، نبهته أن يرفق بالحمار، وألا يضربه كي لايتعثر وتنكسر الجرتان، حميَ التنور، قامت وخبزت، دخلنا نكمل الحديث معها حتى يستوي المخبوز، مرّ بائع السمك الطيور المشوي الذي يخترق وسطه عود من القصب الصغير للنكهة، استوقفته بنفسها، اشترت على عددنا وزيادة، انتصف النهار، قربت الخبز البلدي وفرشنا نحن للطعام، وزعت الخبز بشكل دائري، وأمام كل قطعةِ خبزٍ طيرًا من السمك ، رائحته جلبت القطط حولنا، أفرغت اللبن القادم من ضروع بقرتها بعد ليل من التحضير ليكون حامضًا معتدلا، وصل الماء من البئر، جلسنا للغداء واثنان من القطط تصر على المشاركة بالدوران حولنا، شبعنا من غداء الخالة شقراء، تركنا للقطط بقايا من اللحم الذي نشب في الجلود مع الرؤوس، دخلنا في عشتها، أسقتنا من الزير البارد، قضينا قيلولة والهواء يدخل علينا من كل مكان، جاء الظل إلى الجهة الشرقية، أخرجت الكراسي ونحن نساعدها نحو الظل، نظرتُ نحو أرضها المجاورة، نصحتها أن تزرع الحب الأبيض الذي يعجبها، فرحت برأيي، ضحكتُ وأنا أقول لها : الزيارة القادمة لن نحضر حبوبًا منه، سيكون من زرع أرضك،. ودعناها وهي لاتريد الوداع، دار العام ولم نقم بزيارتها، جاءت هي لزيارتنا ، ألقت كيس الحبوب، انتثر بعضه، رحبنا بها في بيتنا، لم نشعل حطبًا في التنور، جاءت بالحب الأبيض مخبوزا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى