أدبيات الصحيفة

 من اصعب المواقف التي تمر بنا في حياتنا، “مواقف الوداع”

 

“الوداع” له مواقف، لا ينحصر في وداع المسافر فحسب، بل أن هناك أنواع عدّة. قد يكون وداع شخصٍ عزيزٍ علينا يصبح أصعب موقفٍ قد يواجهنا، كما أن وداع وابتعاد أشخاص لانرغب فرقاهم قد يكون مؤلم جداً،
وقد مررتُ بهذه اللحظات يوم الخميس الماضي، آخر أيام الدوام في الفصل الدراسي الأول.
وصلت إلى مقر عملي وكنت متفائلة كالعادة، فرحةٌ بآخر يوم قبل إجازة منتصف السنة، وأنتم تعلمون ماذا تعني الاجازة لأي شخص بعد عمل دؤوب ومجهد ….
كنت سعيدة جداً لانني سوف احظى بإجازة قصيرة، أنها اجازة للراحة والاسترخاء،
جاءت بعد فصل دراسي حافل بكل انواع العمل المضني، الذي يحفل بين طياته أدوات شتى مفروضة علينا في الدراسة الافتراضية عن بعد، ومتابعة كل هذا يعتبر عمل منهك ومرهق.
عموما وصلت وأنا اتحرى انتهاء هذا اليوم بشغفٍ، وأعود إلى بيتي لأعد برنامجا ممتعا لإجازتي، ينسيني كل لحظات العناء، واستغل كل لحظة فيه بعيداً عن ضجيج العمل…

ولكن وجدت ما لم يكن في الحسبان بدد فرحتي، وحول كل شيءٍ من حولي إلى ضيق وصدمةٍ أفقدتني شعوري …
استقبلوني في العمل بخبر تقديم القائدة، طلب تقاعدٍ مبكرٍ وهي لم تكمل سنوات الخدمة الرسمية بعد، مفضلةً التفرغ لنفسها ولأسرتها ….
استقبلتُ الخبر وكأن صاعقة ضربتني وهزت مشاعري وعواطفي، فلم استطع حبس دموعي واحسست بضيق وغصة تخنق عبرتي، وتَحول كل مشاعر الفرح والسعادة إلى شعور يفوق الخيال، شعور مؤلم.
وعندما رأيتها تزف إلينا الخبر وهي مبتسمةٌ وفرحةٌ، لم استطع أن أُشاركها الفرحة، ربما لأنني أنانية جداً مع الاشخاص الذين أحبهم، وأرغبُ في الاحتفاظ بهم، وليست الأنانية وحدها فقط التي منعتني اُبادلها الشعور بالفرح ….

بل لأنها قائدة لا يملؤ مكانها أحدٌ غيرها، فهي كنزٌ، وخسارةٌ للتعليم بأكمله أن يفقدها، ويفتقدُ إنسانيتها كقائدة خُلقت لهذا المنصب فعلياً.
وهي تُعدُّ إدارية رائعة من الطراز الأول، تُدير المدرسة بكل حنكة ودراية، فضلا عن خبراتها التي قضتها لسنوات طوال في إدارة مدارس عدّة، مما أضاف لها ذلك، التميز في فن التعامل مع مختلف الفئات بأختلاف ثقافاتهم وعقلياتهم، فهي تتعامل مع الآخرين بدبلوماسية وذكاء قِلة أن نجد لها مثِيل ….

قدرتها في حل جميع المشاكل ميزتها واكسبتها تقدير واحترام الجميع، من طالبات أو أُمهات على حدٍ سواء، تمتص غضبهم بحنكة فائقة، وتحولُ امتعاضهم إلى ابتسامة، وكأن لم يكن شيء قد حدث. وكنتُ باستمرار أتسائلُ من أين لها كل هذه الاحجيات التي مكنتها من احتواء الجميع ..
جعلتَ جميع العاملات في المدرسة بمختلف اعمالهم ومهامهم يعملون يداً بيد كأسرةٍ واحدةٍ
بطريقةٍ لم يسبقُ لي أن رأيتً قائداً ينشر العدل مثلها، ويقنع الجميع أن يشقوا دوربهم بخطى ثابته ونحو هدفٍ واحدٍ …

كانت مُلهمة للجميع، ومجتهدة تصبوا إلى تطوير خدمات المدرسة ورفع مستوى العاملات بها للأفضل، جعلت نظام الحاسوب أحد أدواتهم المهمة، ليواكبوا نظام التعليم الجديد عن بعد، والذي فُرض عليهم حرصا على سلامة الطالبات والمعلمات، وجعل المدرسة لصيقةً لأولياء الأمور تُمكنهم من متابعة بناتهم في أي وقت يشاؤون ( شعارها لا تقل لا استطيع بل قل سأتعلم )

ورغم مدة خدمتها القصيرة التي لا تتجاوز الثلاث سنوات، إلاَّ أنها وضعت المدرسة على الطريق الصحيح، وفضلا عن تنقلها بين مدرسة وأخرى، عملت كقائدة في معظمها، حتى غدت مدرستنا محطتها الأخيرة، تركت فيهم جميعاً ذكريات وبصمات لا تنسى وقد لا تتكرر.
وطيبة قلبها مع اتقانها في عملها وذكاءها، جعلها كل ذلك أيقونة لا مثيل لها، ولا تُقارن بأي شخصيةٍ أخرى ، لأنها بكل بساطة رسمت لنفسها في مخيلة الجميع، تلك الشخصية الرائعة، والمبدعة التي من الصعوبة بمكان نسيانها..
انها قائدة مميزة وشخصية نادرة.

 

بقلم : الكاتبة شفاء الوهاس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى