مقالات مجد الوطن

عُرسُ أخته

 

محمد الرياني

ولأنه يحبُّ أكلَ اللحم منذ صغره تعشّى في عرس أخته مرتين، ظلَّ يحرس القدور على النار حتى نضج اللحم، قام مع دفعةِ النخبة على الرغم من تحذيرات الطباخ بأن الجولة الأولى للكبار أصحاب الوجاهة فلم يرتدع، لم يطيلوا البقاء فالوقتُ آخر الليل ثم إنَّ عليهم أن يتيحوا للمنتظرين غيرهم الفرصة للحصول على بعض اللحم، انطلقت الجولة الثانية فذهب خفيةً بينهم فاصطاده المشرف على العرس، سأله!! هذه المرة الثانية التي تقوم فيها، هزَّ رأسه ضاحكًا وهو يمسح يده في سرواله القصير لا لا، لم أقم ، جلس على صفرةٍ بها بقايا أرز وعظام وأكلَ منهاحتى شبع فلا حضورَ بعد ذلك، في اليوم الثاني اصطفَّ النساء في الزقاق يؤدين رقصةَ فرحٍ شعبية ، لبسَ ثوبَ أمه ووقف في طرف الصف يرقص معهن ويردد أناشيدهن وثوبُ أمه يسحب على الأرض بينما تكتفي مَن تجاوره بدفْعه من الصف حتى لايرقص مثل النساء، قالت مجاورةٌ لها: دعيه فلايزال صغيرًا لاتحركه الأهواء، قال ببراءة : نعم، لا أزال صغيرًا، دعيني أرقص في عرس أختي، أكملَ الصفُّ سيْره والنساء يرفعن عصًا طويلة فيها بعض الروائح العطرية والنقود وهو يرقص تارة وتارة يكفكف الثوب الأزرق الذي سرقه من صندوق أمه، انتهى فاصل اللعب وعاد يجرُّ الثوب فوقع في يد أمه : صرخت في وجهه : انزع الثوب ياثالثَ أخوَاته، تنهد كالصغار وألقى عليها الثوب وانطلق يجري يمارس الفرح في عرس أخته التي تكبره بعامين، حاصرته فتياتُ الحي وطلبن منه ممازحاتٍ أن يختار واحدة منهن إذا كبر، لم يكن يعي معنى الزواج الذي يقصدنه، اختار واحدة عليها ثوبٌ يشبه ثوبَ أمه فأشار إليها، قلن له : هذه أكبر منك بكثير، اختر واحدةً تقترب من عمرك فصوب وجهه نحو الأرض من الحياء وتركهن،  كبر الصغير فإذا هن قد تزوجن، جاء الدور عليه فحضرنَ عرسه، توسع الزقاق ولم يذق شيئًا من عشاء عرسه من الفرح، اصطفت الحاضرات من جديد يرقصنَ له، نادت عليه التي جاورته يومًا في العرس : البس ثوب أمك وتعال شاركن الفرح، أشاح بوجهه ولم ينظر إليها، ضحك وهو منهمك في نصفه الآخر، اقتربت منه أمه ووقفت بجانبه لتعطره بشيء من رائحة ثوبها، تهامست الحاضرات بأن العريس كبر وعَقِلَ ، وقالت إحداهن: هل تذكرنَ اليوم الذي لبس فيه مثلنا وانتظم في الصف معنا، قالت الأخرى : وهل يُنسى يومٌ دفعتُه وهو يتزيَّا بثوبِ أمه في عرس أخته؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى