مقالات مجد الوطن

مَحَبَّةٌ

 

محمد الرياني

تُسرقُ أشياؤها وهي ساكتة، تخشى أن يزيدَ بطشُهنَّ فيلحقَها الضررُ مع أدواتِها، كثرَ اعتداءُ قريناتِها من اعتدائهن على حقيبتِها ومصروفِها اليومي وسرقةِ دفاترِها الملونة، يُزلنَ اسمَها ويُغيرنَ معالمَ الدفاترِ ويكتبنَ أسماءَهن عليها، تعود جائعةً ولاتشتكي الجوعَ بعد أن يتناوبنَ على أكلِ شطائرِها التي تحشيها أمُّها لها بالجبنةِ والبيضِ وأحياناً بالطعمية، جلستْ إلى جانبِ خالِها يومًا وأسرَّتْ له بهذا السر، اقترحَ عليها أن تنتقلَ إلى حجرةٍ أخرى بعيدة عنهن، فعلتْ وذهبتْ إلى فصلٍ آخر، لحقَ بها بعضهن، وانضمَّ إليهن مَن يمارسُ معها هذا الفعل، عادتْ مرةً أخرى لتشتكي عليه ، همسَ في أذنِها بكلمةٍ فضحكتْ حتى برزتْ سنُّها الكبيرة التي شوهتْ جمالَ ثغرِها وأسنانها، اقترحَ عليها أن تخيفهنَّ بسنها الكبيرةُ إذا امتدتْ أيديهن إلى أشيائها ، انتفضتْ وخافت، شجعَها على الفعلِ وهو يربتُ على عضلاتها ، قبلَ أن تذهبَ من جديدٍ ملأتْ حقيبتَها بالشطائرِ والدفاترِ الملونةِ ومسَّاكاتِ الشعر، اقتربتْ منها إحداهنَّ ورأتِ الغنائم، غافلتْها وفتحتِ الحقيبةَ فانتبهتْ لها ونشبَ بينهما صراع ، تذكرتْ كلمتَه ففتحتْ فمَها حتى آخره ثمَّ أطبقتْ به على كفِّ الأخرى، أنشبتْ سنَّها حتى وضعتْ مايشبهُ الساعةَ على يدِها ، صرختْ وهربتْ نحوَ صديقاتِها وقتَ الفسحةِ تولولُ من الألم، تناولتْ وجبتَها وأعينُ الصغيراتِ ترقبها، عادتْ إليه تبشرُه بأنَّها انتصرت، فتحتْ فمَها لتخبرَه بما فعلتْه سنُّها الكبيرة، أمسكَ بها فإذا هي تلعبُ في يده ، قال لها سنُّكِ التي عضَّتْ زميلتكِ ستسقط ، أمسكتْ بها فخرجتْ في يدها ، عادتْ إليهنَّ بلا سِنٍّ، ظللنَ ينظرنَ إلى الفراغِ بينَ أسنانِها ويلمزنَها بالقولِ والنظَر، جاءتْ تشتكي له منهن ، طمأنَها بأنها ستكونُ أجملَ منهن وسينبتُ لها سنَّ صغيرةٌ مثلَ البقية، فرحتْ وضمَّتْه بيديها الصغيرتين، كبرتْ ونبتَ لها سنٌّ جعلتْ ثغرَها أجمل، بقينَ يمازحنْها لتبتسم ، كبرَ زميلاتُها فَرجحتْ عقولهن، اعتدنَ على جلبِ الدفاترِ والشطائرِ ويتقاسمْنَها معها مع الوقتِ والأدواتِ والمحبة، وصلتْ إلى عُمرِ الزواجِ ، حضرتْ في المقدمةِ تلك التي عضَّتْها صغيرة، قدمتْ لها هديةً وهي تشيرُ لها إلى موضعِ العضَّة، احتضنتْها واعتذرتْ منها ، حضرتِ زميلاتُها صغيراتُ الأمسِ اللاتي كبرنَ بعدَ الشقاءِ البريء، أُقيمُ العرسُ فوقفنَ صفَّا حولها يرقصنَ وكأنَّ شيئًا لم يكن، أنشدنَ لها نشيدًا من أغاريدِ الطفولة، مع انتهاءِ الحفلِ استقبلَها خالُها لتهنئتها، أخبرَها وهو يضحكُ أنَّ سنَّها لاتزالُ مدفونةً في طرفِ الدار، ضحكتْ وعادتْ إلى زميلاتِها لتخبرَهنَّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى