مقالات مجد الوطن

الخلع وهدم الأسر والمجتمعات

 

ضيف الله مهدي

يوم الجمعة الموافق ٢٤ ربيع الآخر ١٤٤٤هـ ، كان معظم خطباء المساجد في وطني الحبيب يتحدثون عن الزواج والطلاق والهلع والعشرة بين الأزواج وما يسببه الطلاق من تفكك وهدم للأسر والمجتمعات والخطباء أرسلوا رسائلهم وتوجيهاتهم ولكنها وصلت لأذن من طين وأذن من عجين إلا من رحم ربي ..

دعوني أعيد بعض ما قد كتبت عن الطلاق ..

إن اضطراب العلاقة الشخصية المبكرة بين الوالدين والطفل وخاصة الأم ، وكذلك الحال مع الأب القاسي أو السلبي ، من أسباب حدوث الكثير من الأمراض النفسية والذهانية وأهمها اضطراب الانفصام ، لأن اضطراب المناخ الأسري والمحيط الطفلي والبيئة التي تحيط بالطفل وهو يناضل من أجل النشأة السوية تسبب صراعا نفسيا في مرحلة الطفولة ينشط مرة أخرى في مرحلة المراهقة نتيجة لأسباب مرسبة تساعد على نشوء الفصام .

• كيف تسهم الأسرة في نشأة الفصام ؟ :

لقد وضعت نظريات أو فروض عديدة من خلال الممارسة العيادية والفروض هي :

1ـ التعلق العاطفي : يعكس الفصام تمزقا في الارتباط بين الطفل والوالدين ، وأن بناء الثقة الأساسية يكون ممزقا ، وينتج عن ذلك خوف من الفقد والانفصال والانسحاب .

2ـ الترابط المزدوج : يمكن أن تسبب أشكال معينة من العلاقات بين الوالدين والطفل بسلوك الفصام ، ويقوم الوالد بالاتصال بالطفل بطرق مختلفة تتطلب استجابات متناقضة ، فيقول مثلا : ” لا تكن مطيعا تماما ” ، ” افعل ولا تفعل ” ، ويتعامل الطفل مع هذه المتناقضات بطرق انسحابية .

3ـ الشقاق وعدم التماثل بين الزوجين : حيث يكون الوالدين في صراع واضح ويحاول كل واحد منهما أن يجند الطفل إلى جانبه . وفي حالات أخرى يكون هناك انحراف زواجي بحيث يسيطر أحد الوالدين بشدة على الآخر . إن الشقاق وجو المشاحنات الأسرية ، والطلاق والانفصال لها عواقب وخيمة على الأبناء.

سؤال ـ هل الخصومات والمشاحنات وتوتر العـلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء وتربيتهم ؟.

الجواب :

تشير الدراسات إلى أن المشاحنات والخلافات تؤثر على سلوك الأبناء وعدم الوصول بهم إلى الطريقة المثلى في التربية . وتشير المشاحنات إلى الخلافات التي يمكن أن تقع بين الوالدين ، وتبدو في أشكال سلوك كلامي وحركي متعدد الأنواع ، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيرا بالغا . والخلافات بين الوالدين يمكن أن تقع والأصح القول أنها كثيرا ما تقع ، ولكن بعضهم لا يذهب فيها إلى أكثر من حدود المناقشة (المهذبة ) بحيث تنتهي المناقشة إلى بعض الحلول المنطوية على الكثير من التسامح عند الطرفين . ويكثر في أمثال هذه الحوادث البسيطة أن يبعد الوالدان جو مناقشتهما عن الأولاد حرصا على حسن تربيتهم.

إن جو المشاحنات في الأسرة من أشد الأجواء تأثيرا في إيجاد صعوبات في التكيف تعرقل حسن نمو الأبناء . فإذا انتهت المشاحنات إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعا أو مهدما ، غدا البيت من الجحيم في نظر الأبناء ، وقد رأينا الكثير من الأمثلة عن تأثير هذا الجو في جنوح الأحداث ، وتصبح التربية للأطفال في جو مثل هذا غير صالحة وكافية ولا يأخذ الأطفال نصيبهم منها ..وإذا انفصلا الأبوين عن بعضهما أو عاشا معا لكنهما ليست بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعا وتأثيرا على نفسياتهم من الطلاق والانفصال الحقيقي .

زمان عندما يحدث الطلاق لاحدى الناس فإن أسرتها تظلم دارها وسمائها ويحل الحزن في ذلك ، حتى أن نساء تلك الحارة يذهبن يخففن أحزان تلك الأسرة ويرددن ( ما تطلق إلا بنت الرجال ) . أما اليوم فإنه لسوء التربية والتنئشة تحتفل المطلقة بطلاقها ، وفي الظاهر احتفال وفي الخفاء ندم وألم وهي تبرر لخيبتها ورسوبها بذلك الاحتفال والتباهي لأنها تطلقت وهنا الحالة نفسية والاحتفال نفسي ليس إلا !! وليس تعليقي هنا مطلقا على الجميع فبعض الناس تفعل ذلك مما لاقته من أشباه الرجال ..

لن أقول إن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله فهذا يعرفه الصغير قبل الكبير ، والجاهل قبل المتعلم ، ولكن سأقول : إن الطلاق مثل ما شرع لهذه الأمة المحمدية فيه الخير والصلاح . والطلاق هو علاج لمرض سوء توافق وعدم وئام حدث بين زوج وزوجته . ثم تم استخدام جميع العقاقير له إلا أنه لم ينفع ، ووجد الطلاق كعلاج ليبدأ الرجل يبحث عن امرأة ربما يحدث توافق بينهما ويحيا معها حياة طيبة ، وتنتظر المرأة الرجل المناسب الذي يتقدم لها لتعيش حياتها .. وصحيح أن هناك أضرارا نفسية ومادية واجتماعية قد تحدث بسبب الطلاق ، لكن نقول إن الشخص قد يتخلى عن بعض أطرافه أو جزء من جسمه من أجل أن يحيا باقي الجسد سليما معافى . وقد واسى الله سبحانه المطلقين فقال : (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ). والأطفال إذا كان هناك أطفال بين المطلقين هم الذين سيتأثرون وسيواجهون المعاناة في حياتهم وتستمر معهم مشكلة انفصال والديهم في حياتهم الحاضرة والمستقبلية . وستتأثر نفسياتهم ومستوياتهم الدراسية ونظرتهم إلى الحياة وعلاقاتهم الاجتماعية ، وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين هم من بيوت قد حدث فيها انفصال وطلاق بين آبائهم وأمهاتهم هم أكثر عرضة للأمراض النفسية والنفسجسمية والإدمان والترويج والإجرام والاكتئاب وغير ذلك . وقد يتخلى الوالد المطلق عن أبنائه بسبب كرهه لأمهم التي طلقها ، وقد تتخلى الأم عن أطفالها من زوجها الأول بسبب كرهها لزوجها الذي طلقها .

وهناك أسباب لوقوع الطلاق ومنها :

١- المغروس في النفوس من مرحلة الطفولة ، وقد يكون ما قد شاهده وعايشه الطفل من حياة متقلبة وخصام وانفصال وعراك داخل أسرته سببا .

٢- الجهل بالحياة الزوجية والجهل بفقه الحياة الزوجية وبحقوق الزوجة والزوج .

٣- انعدام الثقافة الجنسية وعدم معرفتها ، فقد وقعت حالات طلاق بسبب الجهل بأنواع غشاء البكارة وكيفية الممارسة الجنسية .

٤- تدخلات الأهل والأقارب في حياة الزوجين ، فقد يلزم والد أو والدة الزوج ابنهما عمل شيء لا ترغبه زوجته مما يجعل أهل الزوجة يتدخلون وتصل الأمور إلى العناد والتحدي ، وقد يجبر الوالد ولده على تطليق زوجته ، أو والد ووالدة الزوجة يجبرانها على طلب الطلاق أو الخلع .

٥- المميزات التي تمنح للمطلقة من مساعدات مالية وسكنية وضمان اجتماعي ، من وجهة نظري ساهمت في جعل الزوجة تطلب الطلاق لتحصل على تلك المميزات .

والعلاج أراه يكمن فيما يلي :

١- اختيار الزوجة وفق ما حثت عليه الشريعة والدين الإسلامي الحنيف ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ، ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .. الحديث ) . هنا ستكون أسرة إن شاء الله صحيحة نفسيا واجتماعيا .

٢- لابد من الثقافة الجنسية ومعرفة كثير من أمور التعامل والمعاشرة والعشرة حتى تزول سحابة الجهل ولا يحدث الطلاق نتيجة الجهل .

٣- على الزوجين عدم إشراك والديهما في مشاكلهما ، وعلى الآباء والأمهات عدم التدخل في حياة أبنائهم وبناتهم المتزوجين والمتزوجات ، إلا إذا كانت هناك أمور تلزم تدخلهما لحل المشكلة وليس لتأجيج نار المشكلة .

٤- لا تعطى المطلقة أي مميزات ومساعدات إلا بعد دراسة مستوفية لمشكلة الطلاق الحاصل لها وهي السبب في حدوثه ام الزوجة فإن كانت هي السبب لا تعطي أي مميزات والضمان اجتماعي أما إن كان الزوج السبب في حدوث الطلاق فتعطى المطلقة المساعدات والدعم والضمان الاجتماعي ، ثم لابد من معرفة كم سنة أمضت متزوجة وصبرت على الزوج السبب في الطلاق ثم تطلقت . أما زوجة لم يدخل بها وتطلقت أو أمضت بضعة شهور أو بضعة سنوات وكانت هي السبب في حدوث الطلاق فلا تعطى أي دعم أو مساعدة . كذلك المطلق إن كان هو السبب في حدوث الطلاق فلا يعطى أي دعم أو مساعدة .

٥- عمل دورات مكثفة للمقدمين على الزواج وتوضيح كل الأمور والحياة الزوجية والمشكلات التي قد تواجههما في حياتها ووضع حلول لتجنب تلك المشكلات ووقوع الطلاق .

والله الهادي إلى سواء السبيل

د. ضيف الله مهدي

مختص نفسي ومستشار أسري ونفسي وتربوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى