مقالات مجد الوطن

تأمّلات رمضانيّة 

 

بقلم : احمد حسين الاعجم

صبياء

 

قلت لصديقي ونحن نتمشى في قمر ليلة خمسة عشر من رمضان :

هل العبادات

وسائل ام غايات ؟

قال : عجيب سؤالك !

قلت : ابدا .. لا غريب ولا عجيب اريد منك اجابة

قال :

أنا مؤمن تماما

ان العبادات وسائل لغايتين : دنيوية واخروية

الغاية الدنيوية هي :

تحقيق التسامي الاخلاقي والتهذيب السلوكي وايجاد روح التآلف والتعاون بين الناس

لاقامة حياة اجتماعية تليق بنا كبشر

 

والاخروية هي :

لنيل رضى الله تعالى وعفوه

ومغفرته ..ودخول الجنة

 

وتحقيق الغايات الاخروية للعبادات

يقوم ويرتبط ويرتكز على الغايات الدنيوية اولا !

واكمل : هذا هو المفهوم الديني الاصل للعبادات

قلت : جميل

ولكن

هل نطبق كمسلمين هذا المفهوم في الواقع ؟

 

قال : للأسف لا

فالملاحظ ان معظم المسلمين قطعوا الارتباط بين الغايات الدنيوية والاخروية

وجعلوا من العبادات ( غايات ) دنيوية لذاتها !

والدليل تحول العبادات الى مجال تنافس بل سباق بين الناس : من يؤدي عبادات اكثر !

واهملوا غاياتها الدنيوية

بحثا عن الغايات الاخروية

وهذا الاهمال للغايات الدنيوية

أدى الى انتشار الخلافات والصراعات والفساد العملي والاخلاقي في المجتمعات

في نفس الوقت الذي يلتزمون فيه بأداء العبادات بحرص كبير !

وهو تناقض عجيب وغريب

وقد قيل :

( تتفاوت الناس بالنيات

وليس بكثرة الطاعات )

واكبر دليل على ان العبادات اصبحت غاية لذاتها

انها اصبحت مقياسا لصلاح الناس

فيُمْدح الناس بادائهم للعبادات مهما كانت مساوئهم التعاملية والاخلاقية

فتجد الناس في الزواج مثلا يسألون عن التزام الشاب الذي يريد الزواج بالصلاة

ولا يسألون عن اخلاقه

لأنهم على قناعة ان من يصلي ستكون اخلاقه حسنة

وهي قاعدة غير صحيحة

فقد يكون يصلي لغاية اخروية!

 

وهذا ماسبب مآسي كبيرة لشابات وقعن ضحية شباب ملتزمين بالعبادات

ولكنهم غير صالحين اخلاقيا

ايضا بعض الناس تجدهم يصلون رحمهم او يعودون المرضى

وقلوبهم كارهة واذا سألتهم قالوا بكل وضوح : نريد الأجر يا اخي !

والاكثر والاسوأ من ذلك انني سمعت احد المبتدعة المتعالمين يقول :

ان القتل اهون عند الله من ترك الصلاة !!

تخيل

قالها وامامه اكثر من مئتي شخص يستمعون له في جلسة تسمى ( دروس علمية !!

 

وهناك قسم من المسلمين غيّروا

( الغايات الدنيوية الاخلاقية للعبادات )

الى ( غايات دنيوية غير اخلاقية )

بحيث جعلوا التمسك بأداء العبادات وسيلة

لتحقيق الثراء او الوجاهة او غطاء على مفاسد عملية واخلاقية يرتكبونها !

وهذه الممارسات اخرجت العبادات عن مفهومها الحق وأفقدتها تأثيرها الذاتي والاجتماعي معا

بحيث اصبحت مجرد مظهر لا علاقة له بالمخبر وبالسلوك

 

قلت :

الا ترى انك تطالب البشر بالكمال وان يكونوا ملائكة ؟

قال : لا ابدا

فانا اولا

من اكثر الناس ايمانا وتقديرا للنقص البشري

واستحالة بلوغهم للكمال

وانا ثانيا من ضمن من اتحدث عنهم !

 

لكن انا هنا

ضد تغيير المفاهيم الدينية وتحويرها

او توجيهها او تضييقها

وقلب ترتيب الاولويات فيها

فعلى سبيل المثال

تم حصر العمل الصالح في العبادات القولية والحركية فقط بعيدا عن اي عمل اجتماعي !

 

كما تم حصر الاجر في الصدقات في بناء المساجد

وافطار صائم

على سبيل المثال

 

وهذا خلط كبير للأمور

وتغيير وتضييق للمفاهيم الدينية

وهو ما أثّر بوضوح على الواقع الاجتماعي

الذي هو الغاية الدنيوية للعبادات

فكثير من الناس يشاركون في مشاريع افطار صائم

وجيرانهم دون افطار

لأنهم على قناعة بأن الآجر في افطار صائم اكبر منه في تفطير الجيران

وقس على ذلك الكثير من صور تغيير المفاهيم الدينية

واضاف ..

على فكرة

هذا واقع لا يستطيع احد انكاره

واكثر من ينكرونه

هم الذين يمارسونه !!

وهذه كلها

مفاهيم مقلوبة

اصبحت عند الكثير من الناس هي الدين الحق

ويصبح من يخالفهم

ويقوم بالعبادات حسب غاياتها الدنيوية والاخروية

يصبح في نظرهم انسان ضال ! تخيل !

قلت : طيب ايهما افضل

من يمارس العبادات دون تعامل حسن واخلاق

ام الانسان الخلوق بدون عبادات ؟

قال : الأفضل من يمارس العبادات بمفهومها الاصل

وغاياتها الاصل

حتى وان خالفه المجتمع

وهم قلة !

قلت : طيب

من الذين غيروا المفاهيم الدينية ووجّهوها وضيّقوها

قال : المبتدعة المتعالمون

الذين حملوا اسماء علماء دون استحقاق !

 

قلت :

الله الله عليك ياصديقي

كلام جميل وحكيم

لا فض فوك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى