مقالات مجد الوطن

( علي يحيى) الرجل الذي مات .. ليحيا .

 

بقلم: احمد حسين الاعجم
جازان

قبل عامين جاءني ( بلال )
الباكستاني صاحب وايت ماء لتعبئة الخزان
بلال جاء السعودية منذ خمسة اعوام تقريبا
وفوجئت به يشير على البيت المجاور لبيتي ويقول : هذا بيت ( علي يحيى)
فاستغربت وسألته كيف عرفته ؟
فقد توفي علي يحيى منذ اكثر من عشر سنوات
قال : كل اقاربي واصدقائي الباكستانيين هنا
وايضا السعوديين واليمنيين والبنقاليين
وكل الناس يتحدثون عنه بشكل جميل حتى اني اتمنى لو اني عرفته
ما اسمعه عنه كثير كثير
وكأنه انسان مختلف عن الناس .

وقبل شهر
جاءني ( مُلُو )
صاحب وايت الصرف الصحي
وهو حبشي مسيحي
وتحدثنا حتى وصلنا لسيرة ( علي يحيى)
فتأثر الرجل وانطلق يحكي
يقول :
هذا افضل انسان عرفته في حياتي
واعتبره واحد من اهلي
كان كفيلي وكان يعاملني مثل اخوه نذهب للاسواق معا نأكل معا نضحك معا
عمري ما شعرت اننا كفيل ومكفول
ويضيف بتأثر :
ياخي كان يسافر جدة يقضّي للمحلات حقه ويجيب لي معه ملابس حبشية من اللي (تعجبني ) هكذا قالها
كنا نفطر معه حبشي باكستاني ارتيري بنقالي يمني وكل العمّال
علي يحيى انسان عظيم ياخي
ويضيف :
مرة جاء سعودي( مطوّع )
هكذا قالها
وقال لعلي : ماهو تبغى بمسيحي يعمل معاك دوّر لك مسلم
يقول ملو : كانت اول مرةاسمع هذا الكلام في حياتي ففي الحبشة انا مسيحي وجاري مسلم والحياة ماشية
لكن علي يحيى رد عليه وهو يضحك كعادته قائلا :
الله لا يولّيكم على خلقه
يالمطاوعة !
هذا المسيحي اكثر أمانة من كثير مسلمين !
واضاف ملو :
والله يا عمي علي ،
الله يرحمه انه احسن من الف مطوّع يعطينا حقوقنا كاملة وما يظلم اي عامل
ويخاف الله كثيرا.

والاخوة المقيمين يحبون علي يحيى لأنه كان نصيرهم ويقف معهم حسب استطاعته
في حالة كان الكفيل قاسيا
او لنقل كفالة
او للسماح لهم بالسفر
او البحث عن عمل

وفي قريتي المحلة غوان
يتحدث عن ( علي يحيى ) كثيرون من الاقارب ومن غيرهم من اهل قريتي ومن خارج قريتي ممن عرفوه
بمواقف معنوية وكرم روحي مدهش
فقد عُرِف ( علي يحيى )
وأحبه الناس بمواقفه المعنوية
لانها كانت صادقة
وتأتي ( في وقتها )
فيكون تأثيرها عميقا وخالدا في النفوس
فعلي يحيى كان الاول حضورا وتعاونا ومساعدة في الافراح والاحزان
وفي كل زمان من نهار او ليل وفي كل مكان قريبا او بعيدا

فماذا أقول أنا
وهو ابن ابن عمي
وشقيق زوجتي وخال ابنائي
فمهما تحدثت لن أوفيه حقه
علي يحيى..
الابن الاول من الذكور لوالده ابن عمي يحيى الاعجم رحمه الله
رباه تربية قوية
واصبح يصطحبه معه الى محلاته التجارية منذ طفولته ليشاهد ويتعلم
وتدريجيا علّمه اساليب البيع والشراء حتى اصبح يده اليمنى
ونال ثقة مطلقة من والده
ترك ( علي يحيى )
الدراسة في المرحلة المتوسطة
بسبب معلم
اقول انا ( الله لا يسامحه)

لكن الله عوّضه بنجاحات عملية وتجارية كبيرة
ونجاح اجتماعي أكبر
جعله محل ثناء كل من عرفه من أقارب وغيرهم
كان والده يجلسه معه في مجلسه الذي كان لا يخلو من الضيوف
كما كان يصطحبه معه الى المجالس التي يحضرها
فاكتسب ( علي يحيى)
خبرة كبيرة
تحولت الى حكمة في النظر للأمور واتخاذ المواقف وفي الحديث فحتى كلماته موزونة
رغم صغر سنه

توفي والده عام ١٤٢٠
وحزن علي يحيى
على وفاة والده حزنا كبيرا
وحمل مسؤولية أسرتين
الأسرة الكبيرة أمه واخوانه واخواته
وأسرته الصغيرة المكونة من زوجته وابناءه
ومع توليه المسؤولية ظهرت شخصيته بشكل قل مثيله
كان نهرا من العطاء
وجبلا من الصبر
يعطي بلا حدود
ويصبر بلا حدود
كان عطاؤه للاسرتين يفوق التصوّر
مما اذكره هنا انه كان يقدم هدايا لكل شقيقاته المتزوجات في بداية كل رمضان اواني منزلية متنوعة
وفي العيد يقدم لهن حلويات العيد
هذا فضلا عن العيديات المادية
واذا سافر جدة يعود محملا بالعطور والملابس لوالدته واخوانه واخواته
ولابناء شقيقاته
هذا كله وشقيقاته ظروفهن ممتازة مع ازواجهن بفضل الله
واذا عاتبنه شقيقاته يرد قائلا : مالي فضل هذا مالكم وحقكم
كما كان يجمع كل شقيقاته المتزوجات بين فترة واخرى على وجبة غداء او عشاء تتخلها جلسة ودية بين افراد الاسرة جميعا
كما كان يحرص بين فترة واخرى على تناول وجبة الغداء عند شقيقاته المتزوجات
فيكلم شقيقته ويكلم زوجها
بكره شاتغدى معاكم
غداكم العادي
واي تكلف مانا متغدي
واروح اتغدى مع عيالي
وطبعا هذه اللمسات كان لها تأثير عظيم في نفوس شقيقاته كنا نلمسها نحن ازواج شقيقاته
بل لازالت اثار هذه اللمسات خالدة في نفوسهن حتى اليوم
( علي يحيى)
انسان
روحه من نور
وقلبه من بلّور

يشهد له بذلك معظم افراد اسرتنا
( العجامة)
واخواله ( المواسه )
واخوال والدته الحقاوية
واصدقاء والده
ويشهد له كل من عرفه من قريتي ومن خارجها
يشهدون له بصلة الرحم
وبوقوفه مع الجميع
حتى اني اذكر اننا كنا نطلب من ( علي يحيى ) ان يكون هو المتحدث في مجالس الزواج والصلح وغيرها
وكان يرفض لانه اصغر منا سنا
لكنه يوافق نتيجة الحاحنا عليه
وكان نعم المتحدث الحكيم المنصف الصادق وبودي ان اكتب عن مواقفه المعنوية مع اقاربه
باختلاف اجيالهم
لكني لا استطيع
لاسباب كثيرة
اهمها :
ان من لا يعرف ( علي يحيى )
لن يصدقها وسيعتبرها مبالغة
او ضرب من الخيال

ومن الاسباب ايضا
انها كثيرة ومتنوعة
ويصعب حصرها
لكن كل الاقارب يعرفونها ويحفظونها ويرددونها في المجالس مصحوبة بدعوات لا تتوقف لصاحبها عليه رحمة الله

( علي يحيى)
ولد عام ١٣٩٧
وتوفي عام ١٤٣٢
وغادر دنيانا وعمره خمسة وثلاثون عاما
لكنه بقي خالدا في نفوس كل من عرفوه
ختاما :
احد ابناء قريتي من اصدقاء علي يحيى قال لي مرة :
ياخي والله اني اتمنى اذا متّ ان احصل على مثل ذكر (علي يحيى)
لكن ياخي ( علي يحيى )
جمع الله فيه خصال كثيرة
طيبة نفس ورجولة صارمة
وصدق وصبر وعطاء وتسامح ونية حسنة
وأضاف ..
من أعجب ما يدهشني في شخصية علي يحيى
ان كان يذكر بالخير
وهو حيّ
لكن ذكره بالخير زاد بعد موته
حتى كأنه لازال حيا بيننا
وهذه ميزة عظيمة
لاينالها الا الانقياء الصادقون من الناس
واضاف ..
(علي يحيى)
عاش حيا خمسة وثلاثين عاما
وسيعيش وهو ميت اضعاف هذه السنوات
بسيرته العطره وسمعته الجميلة بين الناس

وقد صدق الصديق الصدوق
فكل انسان يتمنى ان يذكر بالخير حيا وميتا
وقد فاز بها
( علي يحي الاعجم )

وهو يستحق

( فعلي يحيى )
هو الرجل الذي مات ..ليحيا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى