مقالات مجد الوطن

وقفات مع الشاعر طرفة بن العبد

 

هو طرفة، وقيل عمرو، والمشهور أنه طرفة بن العبد، شاعر عربي جاهلي من شعراء الطبقة الأولى، من إقليم البحرين التاريخي، وهو مصنف بين شعراء المعلقات.

 

أشهر شعره معلقته التي يقول في بدايتها:

 

لخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ

تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ

وُقُـوْفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُـمْ

يَقُـوْلُوْنَ لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلَّـد

 

 

تضمنت معلقته عدة موضوعات من أبرزها ما قاله في وصف الناقة وتشخيصها وتجسيمها، إذ يصف ناقته السريعة التي يركبها عندما يعتريه الهم فيزول همه:

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِه بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

 

ويقول إنه يأمنها فلا تسقط به ولا تتعثر في مسيرها:

أَمونٍ كَأَلواحِ الإِرانِ نَصَأتُها عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ

 

كما وصفها بالجمال واكتناز اللحم وشبهها بالنعامة:

. جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ

 

ثم يصفها بأنها ذكية القلب ترجع إلى راعيها إذا دعاها

. تَريعُ إِلى صَوتِ المُهيبِ وَتَتَّقي بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أَكلَفَ مُلبِدِ

 

وكما شبهها أعلاه بالنعامة فقد شبه شعر ذنبها بجناحي النسر حين قال:

كَأَنَّ جَناحَي مَضرَحِيٍّ تَكَنَّفا حِفافَيهِ شُكّا في العَسيبِ بِمَسرَدِ

 

ثم يستمر بإبداع متفرد في وصف مذهل لناقته في أبيات متعددة من معلقته

 

 

وفي قصة مقتل طرفة بن العبد حيثيات يجدر سردها، فهو من الشعراء الذين قتلتهم قصائدهم؛ فقد قُتل شابا.

فقد هجا طرفة بن العبد زوج أخته عبد عمرو بن بشر – وهو لا يعلم- وكان عبد عمرو هذا ذات يوم مع الملك عمرو بن هند في رحلة صيد ، فذكر عمرو بن هند أبيات طرفة في هجائه ، وقال له لعل طرفة أبصرك حين قال :

يا عَجَبا مِن عَبدِ عَمروٍ وَبَغيِهِ

لَقَد رامَ ظُلمي عَبدُ عَمروٍ فَأَنعَما

وَلا خَيرَ فيهِ غَيرَ أَنَّ لَهُ غِنىً

وَأَنَّ لَهُ كَشحاً إِذا قامَ أَهضَما

 

هنا غضب عبد عمرو وقال للملك ، وقد قال فيك أشد مما قال فيّ ، قال له الملك وماذا قال فيّ، قال عبد عمرو: قال فيك:

فليتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ

رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ

لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ

لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ

قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ

كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ

لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ

تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ

فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ

تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ

وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً

وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ

 

هنا غضب الملك عمرو بن هند ، وأضمر قتل طرفة، واحتال لذلك، واستدرج طرفة وخاله المتلمس ، حتى أمناه فقال لهما سأرسلكما للبحرين لتنالا جائزتيكما من عاملها ، فكتب لهما إلى عامل البحرين وهجر، وقال: انطلقا إليه، فاقتضيا جوائزكما فلما خرجا من عنده قال المتلمس: يا طرفة! إنك غلامٌ حديث السن، ولست تعرف ما أعرف، وكلانا قد هجاه، ولست آمن أن يكتب بما نكره، فتعال ننظر في كتبه! قال طرفة: لم يكن ليقدم عليَّ بمثل هذا، وعدل المتلمس إلى غلام من أهل الحيرة، فقال: اقرأ ما في هذه الصحيفة، فإذا فيها خبر مقتله، فألقاها في النهر، ورجع لكن طرفة انطلق فلم يدركه.

ثم قدم طرفة على عامل البحرين، ودفع إليه كتاب عمرو بن هند، فقرأه فقال: هل تعلم ما أمرت به؟ قال: نعم! أمرت أن تجيزني وتحسن إلي. فقال: يا طرفة! بيني وبينك خؤولةٌ أنا لها راعٍ حافظٌ. فاهرب في ليلتك هذه، فإني قد أمرت بقتلك، فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس.

 

فقال طرفة: اشتدت عليك جائزتي، فأردت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند علي سبيلاً! كلا والله لا أفعل ذلك أبداً! فلما أصبح أمر بحبسه، وجاءت بنو بكر، فقالوا: ما أقدم طرفة؟ فقرأ عليهم كتاب الملك ثم حبس طرفة ولم يقتله، وكتب إلى عمرو بن هند: أن ابعث إلى عملك من تريد، فإني غير قاتله؛ فبعث عمرو بن هند رجلاً من تغلب، فاستعمله على البحرين، فقتل طرفة.

 

 

ثم أتوقف عند أبيات رائعة تلخص فكرته في الحياة:

 

ولولا ثلاثٌ هُنَّ من عِيشةِ الفتى وجدِّكَ لم أحفلْ متى قام عُوَّدي

فمنهنَّ سَبقي العاذلاتِ بشَربةٍ كُمَيتٍ متى ما تُعلَ بالماءِ تُزبدِ

وكَرّي إذا نادى المُضافُ مُحنَّبًا كسِيدِ الغَضا نبَهتَهُ المُتورِّدِ

وتقصيرُ يوم الدَّجن، والدَّجن مُعجِبٌ ببَهكَنةٍ تحت الطِّرافِ المُعمَّدِ

 

يقول لولا هذه الثلاث ما أهمنى متى أموت، فهي في نظره متعة الحياة، هي

الخمر

المرأة

إغاثة الملهوف

 

 

وحين سمعها الخليفة عمر بن عبدالعزيز قال:

أنا والله لولا ثلاث لم أحفل متى قام عودي

أعدل في الرعية

وأقسم بالسوية

أنفر في السرية

 

ـــــــــــــــ

وأختم بقصة تدل على نباهة طرفة المبكرة، وهي قصة “استنوق الجمل”

هذا مثل يضرب للرجل الواهن الرأي، فقد كان خاله المتلمس ينشد بعض الملوك شعره، فقال مما قال:

وَقَدْ أتَنَاسَى الهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ … بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَرِيَّةُ مكدم

والصيعرية: سِمة تُوسم بها النوق، فلما سمع طَرَفة البيتَ قَال: استنوقَ الجمل، قَالوا: فدعاه المتلمس وقَال له: ماذا تقصد قال له أخذت صفة للنوق ووصفت بها الجمل إذن استنوق الجمل

وقيل إنه قربه وقال له: أخْرِجْ لسانَكَ، فأخرجه فإذا هو أسود، فقال: ويلٌ لهذا من هذا، يقصد ويل لك من لسانك، فكان هلاكه بلسانه، فهجا عمرو بن هند فقتله كما أسلفنا.

 

ـــــــــــــــــــــــــ

 

طارق يسن الطاهر

Tyaa67@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى