محمد الرياني
ظلَّ يَنظرُ إلى وَجهِها باهتمام ، التفتتْ إليهِ بِوجهٍ يقتربُ من القُبح ، يسألُ نفسَه عن معالمِها التي تُنْبئُ عن صَفحةٍ قاتمةٍ مِثلَ جلدِ قُنفذٍ وَحشيٍّ ،أو مُتقوقعٍ على نَفسِه من شِدِّةِ البرد ، يبدَأُ بتفسيراتِه التي لاتنقطع ، تُبادلُه الظُّنونَ وكأنَّها تريدُ الأسبقيةَ بالاتهام ، وَجْهُها الذي يطفحُ بالغَضبِ يزيدُه اشمئزازًا وتقاطيعُه كالحروفِ التي تتداخلُ دون معنى ، يَقتحمُ كُلُّ حَرفٍ خُصوصياتِ الآخر ، يقتربُ منها ليرسمَ الصورةَ القاتمةَ بِوضوح ، يسألُها عن شَعْرةٍ مُتقصِّفةٍ طَويلةٍ نبتتْ في حاجبِها ، يحدِّثُ نفسَه عنها: هذه العَلامةُ رَمزُ الحقدِ عندَها أو عنوانُ التشاؤم ، تنطقُ بِلسانٍ حَادٍّ وقد رأتْ نظرَاتِه بينما الشَّعرةُ تَكادُ تَخترقُ بَصَرَها ، تضعُ كَفَّها على عَيْنِها اليمنى ، تُمسِكُ بِشعرةٍ حَادَّةٍ مثلَ ملمسِ بُرادةِ حديدٍ ساخنة ، قالت له: نظراتُكَ بسببِ هذه الشَّعرة ، أليسَ كذلك ؟ أوضحَ لها أنه لم يكن يقصد ، كلُّ مافي الأمر أنَّ الشَّعرةَ الطويلةَ تُريدُ أن تخترقَ عَينكِ ، أَخفَى عنها شِعارَ الغضبِ الذي وَسمتْه الشَّعرةُ لديها ، لم تأخذ مقصًّا لإزالتها ، نَتفتْها بِعنفٍ بِفَكَّي إصبعيْها فأحدثتْ جرحًا وهو في مكانِه لم يتحرك ، تألَّمَ للموقفِ فاقتربَ منها ورمى الشَّعرةَ في سلَّةٍ للنفايات ، سألتْه إن كان يُوجدُ في وَجهِها مايُورثُ التأمل ، لم يَقُل لها إنها لاتزالُ في صُورتِها السَّابقة ، لم يتغير شيءٌ من تَجاعيدِها الحَانِقة ، نظرتْ في المرآةِ لتتأكدَ من أنَّه على حَقٍّ ، عادت لِتجلسَ على الأرضِ وتقتربَ من التراب ، كتبتْ على الرملِ شيئًا ثمَّ دفنتْه ، اعترفتْ له بأنها في ضيقٍ وأنَّ وجهَها لم يكن كذلك وأنَّ العلاماتِ التي رآها ليعزفَ عنها ولاينظر في وجهِها ، نهضَ ليفارقَها والدَّمعُ ينسابُ على خدَّيْه من هَولِ الفراق ، نَظرَ في مِرآةٍ وَقَفا عندَها ليلةَ فَرَحِهما وقد ارتدى أجملَ ملابسِه وتعطر بأروع ماعنده من العطور ، وَجدَ وجهَه لم يتغيَّر كثيرًا ، الدائرةُ الحمراءُ التي تشكِّل وَجهَه هي نفسُها ، العينانِ الواسعتانِ السوداوانِ تكتحلانِ بالسَّواد ، والشعرُ الأسودُ الطويلُ يغطِّي إطارِ سمعه ، أخذَ من الحَديقةِ وَردةً حَمراءَ ووضعَها في جيبِه ، نهضتْ من على الترابِ وقد استفاقتْ من أحلامِها الواهية ، نادتْ عليه ليعودَ إليها وستزيلُ الندباتِ التي أَحدثتْها ، أشارَ بيدِه إلى الأرض وَطلبَ منها أن ترسمَ أحلامَها على الرَّمل .