“قد تشهدين اليوم سقوط الأمطار فالسحب الركامية قد تتمخض، ويخفف خراجها عنكِ حدة الحر اللافح، وهناك في الجوار حارس وضعناه كي يقوم بخدمتكِ الخارجية وتنفيذ طلباتك الملحة” قال لها ذلك أحد العمال وهو رجلًا ضخمًا ناهيك عن كرشته التي كادت تخرج من قيمصه وتطير أزراره، كان يحدثها وهو يلتقط أدوات السباكة الخاصة به، وضعها في كيسها وحملها على ظهره ثم غادر المكان.
ولجت المرأة إلى الغرفة التي عمرت من أجلها وبعد أن استغرقت وقتًا في التفكير تغيرت قناعتها التي تقول: “الهدم سهل والبناء صعب” وأيقنت أن التعمير لم يعد كما كان بالأمر العسير الذي يستغرق زمنًا طويلًا، لقد أصبح على عكس ما كان عليه في الماضي خاصة بعد أن تطورت الاته ومعداته وطرق تنفيذ هندسته. اقتربت ونظرت خارج النافذة إلى الفراغ الشاسع فشاهدت رجلًا كان جالسًا باسترخاء على معقد وضع أمام دارها الصغير وتعجبت إن كان راح في النوم، “هذا من قال عنه انه الحارس” قالت في نفسها، “لبسه للنظارة الشمسية جعلني لا أستطيع أن أرى عينيه”. كان الحارس يبصرها دون أن تعلم، وهام بها على انها فتاة أحلامه الثمرة اليانعة التي سيقطفها قبل أن تبلغ الثلاثين. استمرت على هذا المنوال تراقبه لمدة أيام، ثم اقتحمت الصمت أخيرًا وكلمته باسمة تلك الابتسامة الأنثوية التي تعبر في أكثر الأحيان عما تشعر به امرأة رقيقة تحتاج إلى دعم وعون، قالت له وهي تقلب نظراتها فيه بخجل: ” من فضلك استدعي رئيس العمال”. ومن أول همسة رق قلبه لها وحينما سمع صوتها الخفيض زادت دقاته للحد الذي تعرقلت احدى قدميه بالكرسي عرقلة خفيفة كاد أن يقع على وجهه إلا انه رد ذلك بيديه ووقف فورًا متحفزًا، ثم تحرك من قبالها لجلبه.
كان (المنصدم) يجلس على دكة بيته المكسوة بالقماش والمصفوص عليها الوسائد، ومعه جاره (المتوهم)، رفع (المنصدم) نظره في الفضاء العريض حيث شرع الهواء يثقل بالرمال والسخونة، حول وجهه عنه ووجحمى عينيه بباطن يده، ثم قال (للمتوهم) الذي كان جواره: “دعنا ندخل إلى البيت ستأتي العجاجة ولن نرى الكثير من الأشياء” وأضاف بسرعة: “الليلة سأطلب من الحكيم أن يسرد لنا قصة أيوب”.
قال (المتوهم): “ونحن على هذا الحال؟، تفكيرك خاطئ، في مثل هذا اليوم لا أحد سيستمع له، فالكل سيكون منشغل مع ما ستقذفه الغبرة عليه، وعلاوة على ذلك نحن لسنا بحاجة إلى حكايات تروى عن أحد”.
قال المنصدم: “الليلة يعني الليلة”.
قالها المتوهم بإبتسام: “حسنًا أفعل ما شئت أن اجتمع لك أحد في السقيفة، ومن الأفضل لك أن تنسى هذا الموضوع وإلا ستشعر بالحرج من قبل الأهالي طيلة ما حييت”.
– لا عليك، فهم توقون لمعرفة قصته أكثر مني، فهي مثيرة للاهتمام وقد فتنت الجدل من حولها سنينًا.
– اصنع ما تشاء فيما تبقى من يومك هذا.
– لا تنسى أن تحضر.
أطرق (المتوهم) رأسه علامة على فهم مغزاه.
الروح/ صفية باسودان