بقلم / حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih
سألني أحد الآباء بعد انتهاءي من إحدى محاضراتي التربوية عن قيمة الانتماء للأسرة لدى أبنائي كيف أزرعها؟ فقابلت سؤاله بسؤال آخر، قائلاً له؟ كيف هي قيمة الانتماء للأسرة عندك أنت؟ فقال: للأسف، لقد أخذتني تجارتي عن أسرتي كثيراً.
وسمعتُ قديماً أنّ فلاح المرء ونجاحه بدايته من بيته وأسرته، وكذلك سقوطه وفشله، وقد قيل: عن المرء لا تسل وسل عن قرينه، قلت: بل سل عن بيته وأسرته وتربيته.
إنّ بيت الإنسان بالنسبة له مستقرّه ومستودعه، ومأواه ومأمنه، وشرفه وعرضه، وأهمّ المهمّات عنده، وأعظم ما ينتمي إليه، وأعز ما يدافع عنه، وأغلى من يحب ويعرف يشاركه فيه.
بين جدرانه يتعلّم ويتدرّب ويحاكي ويُنجز، وفي أركانه يسعد ويتألم ويضحك ويحزن، وعلى ردهاته وساحاته يشاغب ويمازح، ويساعد ويشارك، وتحت سقفه ينام ويستيقظ ويحلم ويأمل.
في البيت تتجلّى معاني الرحمة والشفقة والودّ والحب بين أفراده، وتتعاظم قيم الانتماء والإيثار والتضحية بين عناصره، وفي داخله تظهر صور البر وأشكاله كما لو لم تكن خارجه.
ومن يُدرك حقيقة ما تقدّم من أهميّة البيت لدى ساكنيه تجده في سعي حثيث نحو العناية ببناء بيته البناء المعنوي قبل البناء المادي، أيّ ببناء القيم والمبادئ والمُثُل قبل بناء الجدار والسقف، فتجد أصحاب هذا النوع من البناء قدوات خير في بيوتهم، يساهمون في التغذية الروحية السويّة والمنضبطة بتعزيز الجانب الإيماني في القلوب وتجديد المعاني القيمية بين الحين والآخر، ويشاركون بعضهم البعض في العملية التربوية الجادة المنطلقة من أُسس صحيحة وواضحة لدى الجميع، ويدفع كل منهم الآخر نحو التحلّي بالأخلاق الحميدة والصفات الحسنة، فتكون النتيجة غالباً أن يحظى أهل هذا النوع من البيوت بنفوس مطمئنة راضية، وبمشاعر إيجابية منطلقة، وبأخلاق حميدة جميلة، وبطاقات عازمة متوثّبة نحو التميّز والصدارة، وبقدرة على التعامل الصحيح والموفّق مع جميع المواقف والأحداث.
وهناك شقّ آخر من ساكني البيوت، جعل الواحد منهم جلّ اهتمامه بالبناء الماديّ متغافلاً عن البناء المعنوي، فأكثر ما يحرص عليه جماليات الجدران، ومستوى الأسقف، وألوان الأرضيّات، وتناسق الحديقة … إلخ، دون أيّ اعتبار للإنسان داخل هذا البيت، ولا اهتمام بتربيته أو توجيهه أو التفاعل معه بأيّ شكل من الأشكال، بل إنّ البيت عند بعضهم لا يشكّل لهم شيئاً البتّة، فهم لا يعتبرونه إلا للأكل والنوم فقط، فلا حياة عاطفية مستقرة، ولا تفاعل تربوي إيجابي، ولا عمل تشاركي أُسري تجاه أيّ أمر من أمور الحياة، ساعين بذلك شعروا – أو لم يشعروا – إلى الهدم والسقوط ببيتهم أولاً وبذواتهم ثانياً.
لذا.. فإنّ على كل أب وأم ومربٍّ وقدوة أن يسعوا في صلاح أبناءهم وأسرهم وأتباعهم وأفراد أمتهم بإصلاح بيوتهم، وذلك ببنائها البناء الإيماني والتربوي والقيمي والمعرفي أولاً، قبل بناء جدرانها وأسقفها وحيطانها.
من كتابي #وحي_الأمكنة