عند مطالعة هذا العنوان تتعدد التأويلات، وتنفتح المآلات، وتتنوع المجالات، وتتشعب الاتجاهات، وتتباين التفسيرات.
مروة بصير ترسل للقارئ الدهشة بدءا من العنوان، فكيف إن غصنا في الداخل؟!
في عتبة هذا العنوان الكثير مما يمكن أن يقال، فهنا مسكوت عنه مقدر، يمكن تفسيره بكثير من الاحتمالات:
كتبت؛ لأن الورق كتوم
فضفضت للورق؛ لأن الورق كتوم
بثثت سري كتابة؛ لأن الورق كتوم
…
…
فهي تهدي الكتاب إلى كل هؤلاء الذين يكتم الورق أسرارهم، إلى الذين يمنحهم الورق حرية الصراخ دون وصاية …
اللام – في: “لأنَّ” – للتعليل
الحرف الناسخ واسمه وخبره جملة اسمية مكتملة
الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار
إذن الكتمان صفة لازمة للورق، لن تبارحه، فليفضفض له من أراد، فهو لن يخذله، ولن يبوح بما فيه، ولن يفشي ما استُودع فيه.
كأنَّ العنوان إجابة عن سؤال افتراضي، أو ربما واقعي:
لماذا تكتبين؟
لماذا للورق تحديدا؟
…
…
*كتوم* صيغة مبالغة بمعنى شدة الكتم، لا يتسرب من الورق معلومة، فهو يكتم -بقوة- ما يبثه فيه الكاتب .
لم تلجأ الكاتبة للورق لتبثه شكواها إلا بعد أن عجزت عمن يتلقى تلك الشكوى، ويتقبلها ويتعاطى معها، حتى لو بالإنصات.
تتمثل هنا قول الشاعر:
*فلابد من شكوى إلى ذي مروءة* *يواسيك أو يسليك أو يتوجع*
ربما غاب ذو المروءة، فحلَّ الورق مكانه؛ فاشتكت له.
فقد وجد بطل قصة شقاء للكاتب الروسي أنطون شيخوف التي تحكي عن “حوذي” ، كانت لديه مشكلة تؤرقه، ويريد أن يحكي لأحد فلم يجد مستمعا؛ لأن جميع من يركب معه ما بين مشغول أومهموم أو غير مكترث، ولما فقد الأمل في أن يستمع له الناس، أوقف عربته، وجلس قبالة الحصان، وحكى له، فقد وجد ضالته في الحصان ليستمع له.
هذه وقفات تأملية حول ذلك العنوان المثير – لأن الورق كتوم- العنوان المنفتح على جميع المآلات، المحفز للدخول بقوة في متن الكتاب، ولعلي أتأمل المحتوى لاحقا.
ــــــــــــــــــــــ
*طارق يسن الطاهر*