د . ضيف الله مهدي
اليوم الجمعة الموافق ١٧ رجب ١٤٤٦هـ ، وفي جامع الفقهاء بمحافظة بيش خطب الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم عن الصلاة ، وكعادته فقد أبدع وقدم خطبة رائعة وكانت عن الصلاة .. مستدلا بآيات الذكر الحكيم وقول سيد الأنبياء والمرسلين وأقوال العلماء والأئمة والمصلحين .. وقبل عدة سنوات كنت مستشارا نفسيا وتربويا وأسريًا في بعض المنتديات وأرد على أسئلة السائلين فسألني البعض عن الصلاة وأهميتها وأنه يتكاسل عن تأديتها لأنه يسكن مع أناس لا يصلون .. فرديت عليه ردا طويلا ولكن هنا اختصرته كثيرا حيث قلت : الصلاة صلة بين العبد وربه ، في الصلاة عبادة وذكر وحمد وشكر ودعاء واستغاثة ورجاء وطلب . الصلاة أخي هي عمود الدين ، فلو انكسر العمود انكسر الدين .. مثل البيت لو انكسر العمود الأساسي طاح البيت ، ولو بقي ، بقي البيت . إن في الصلاة تأدية لجميع أركان الإسلام الخمسة ، فأركان الإسلام هي : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام .. هذه أركان الإسلام .. فمن صلى ، أتى بهذه الأركان جميعا .. كيف ؟
في الصلاة تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( الركن الأول ) وتصلي ( الركن الثاني ) وتسجد وتركع وتقوم أديت زكاة الأعضاء ، إذن زكيت ( الركن الثالث ) وفي الصلاة تمتنع عن الأكل والشرب ، بل من مفسدات الصلاة الأكل والشرب ، وهنا تصوم ( الركن الرابع ) وفي الصلاة تتجه إلى القبلة ، وهي ( الكعبة ) والحج قصد الكعبة ، إذن أديت أركان الإسلام الخمسة في الصلاة . لكن هذا لا يغني أن تزكي وتصوم شهر رمضان وتحج البيت الحرام . لكن الصلاة كأنما تحتوي على جميع الأركان .
إن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وكان عليه الصلاة والسلام يحتضر وهو يوصي بالصلاة .
ومن أهمية الصلاة ومكانتها أنها فرضت في السماء ، أو أمر الله بها رسوله في السماء ليلة أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ، وهذا يحدد أهميتها ومكانتها ، بينما بقية الأركان والعبادات فرضت في الأرض .
يقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } هل ذلك فيمن أضاع وقتها فصلاها في غير وقتها أم فيمن أضاعها فلم يصلها ، ويقول اله تعالى : { فويل للمصلين () الذين هم عن صلاتهم ساهون } هل هو عن فعل الصلاة أو السهو فيها كما جرت العادة من صلاة الغفلة الذين لا يعقلون من صلاتهم شيئا ؟
إن المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال : { فويل للمصلين () الذين هم عن صلاتهم ساهون } فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها وقد قال طائفة من السلف : بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة وكلا المعنيين حق والآية تتناول هذا وهذا كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ) فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا وهكذا فسروا قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها وجاء في الحديث : ( إن العبد إذا قام إلى الصلاة بطهورها وقراءتها وسجودها – أو كما قال – صعدت ولها برهان كبرهان الشمس تقول له : حفظك الله كما حفظتني وإذا لم يتم طهورها وقراءتها وسجودها – أو كما قال – فإنها تلف كما يلف الثوب وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني ) قال سلمان الفارسي : الصلاة مكيال من وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال في المطففين . وفي سنن أبي داود عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها إلا عشرها ) .
بعد كل ما قدمت ، عليك ما يلي :
1ـ استشعار أهمية الصلاة ، وأن من ضيعها فقد ضيع الدين . وأنه إذا قبلت ، قبلت بقية الأعمال وإذا لم تقبل ، أو رفضت ، رفضت بقية الأعمال .
2ـ مسألة الزملاء أو المجتمع الذي تعيش في وسطهم لا يساعدون ، ليس حجة ، بل أنت تعتز هنا بتأدية الصلاة ، ومحافظتك عليها دليل إيمانك . وعندما يراك الآخرون وأنت تصلي سيقتدون بك ، ويصلون .
3ـ الصلاة نور في حياتك ، فلا تطفئ هذا النور .
4ـ سعادة غامرة وكبيرة ستعيشها ، وتشعر بها ، عندما تحافظ على صلاتك ، وستشعر أنك على علاقة وصلة بربك . الله العظيم الجليل .
5ـ حتى تحافظ على الصلاة ويقوى إيمانك ، ابدأ بذكر لا إله إلا الله ، من ساعة القراءة الآن . وعندما تبدأ في قول لا إله إلا الله ، ستلاحظ الفرق ، وكيف سيدخل إلى أعماقك النور والإيمان .
تمنياتي لك بالصحة والعافية