
بقلم : عوالق حي البلد
كانت الدنيا بخير عندما كانت الصحف ورقية يقرأها والدي كل صباح مع كوب الشاي الساخن.
وحينما كانت الرسائل تُكتب بخط اليد وتُرسل عن طريق البريد قبل رسائل (الواتس آب) أو أي برنامج إلكتروني آخر.
وعندما كان الهاتف المنزلي يرن؛ فيتهافت نحوه كل من في المنزل يريد الرد عليه، قبل مجيء الهاتف النقال.
وعندما كان التلفاز يعرض أفلام الكرتون، والمغامرات والمسلسلات العربية الهادفة، قبل مجيء الستلايت والقنوات المشفرة الهادمة التي هيجت مشاعر وغرائز أبناءنا وحرضتهم على الرذيلة.
كانت بخير عندما كان أقصى وقت للسهر هي الساعة الثانية عشر من منتصف الليل -وربما قبل ذلك- عندما كنا نصحوا باكراً؛ فنرى الصباح بجماله المعتاد ونسمع أصوات العصافير.
عندما كان لطعم الشاي الممزوج بالحليب والشاي المنعنع والمحبوك اللذة والمزاج، قبل الموكاتشينو، والإسبريسو، والمشروبات العصرية الأخرى التي دمرت بطوننا وأدمغتنا.
عندما كان للأب والأم الاحترام الذي يشوبُهُ الخوف والتقدير، ويزينه الالتزام والطاعة، عندما كان والدي يرسل أخي ليشتري من فوّال الحارة ويذهب إليه وهو يحمل بيديه صحناً معدنياً، ويجد لنفسه مكاناً بطابور الانتظار ليحصل على الفول الساخن.
عندما كنّا نلعب نجوم الليل (بسلك النحاس) لا فرق بين الذكور والإناث، كلاهما يلعبان بالحي، لا أفكار خبيثة تدور في أدمغتهم ولا قضايا زنا واغتصاب.
عندما كنا نفرح بالمطر؛ فنجري أفواجاً من الإناث والذكور وننظر إلى السماء فاتحيين أفواهنا لنحظى بأكبر قدر من قطرات المطر.
عندما كانت الأم تطهو الطعام بحب، وتخبز الخبز بيدها، لا مطاعم تديرها عمالة قد لا تراعي أدنى معايير النظافة، ولا وجبات سريعة.
عندما كانت تذهب الوالدة في العصر لزيارة جاراتها، وهي تحمل بيدها (ترمس) القهوة أو الشاي، وصحن العصيد، وتعود باكراً إلى المنزل، لا سهرات إلى ماقبل الفجر، ولا مضايقات للناس وتقليل من راحتهم.
كانت الجارة هي أخت لجارتها الأخرى، لدرجة أنَّ الجارة كانت تهتم بأبناء جارتها وكأنهم أبناءها، تعود لتجد أبناءها نائمين بجانب أبناء جارتها في فراش بسيط على الأرض؛ بعد أن أشبعت بطونهم من الطعام.
عندما كان الجد يجمع أبناءه وأحفاده على الدوام، حيثُ الألفة والمحبة بعيداً عن قطيعة الرحم والشِقاق.
عندما كنَّا ننظر لجمال أرواح النَّاس لا لمظهرهم، ومالهم، وجاهِهِم.
عندما كانت الحياة جميلة رغم بساطتها، وهادئة لا يعكر صفوها ارتفاع أسعار المعيشة، ولا يهدد أمانها قصص الجرائم.
ننام باكراً قبل منتصف الليل ونستيقظ في الفجر؛ لنرى الحياة جليّة في أجمل حُلة لها، نتمتع بحالة صحية جيدة ونشاط مذهِل.
ايام جميله أيام الطيبين