مقالات مجد الوطن

عواطف

 

محمد الرياني

اعتقد أن الأقواس التي تحاصر خربشاتها وهمية تريد استفزازه بها، أو حقيقية تثير الاستغراب والدهشة ، تضادٌّ غريب يجعله يحتار في كل تلك التصرفات، لم يثنه الطقس البارد في تلك الليلة من أن يخبئ كفيه في كمي معطفه الشتوي الأسود الذي لم يرتده منذ عام ، أراد أن يتأكد من حقيقة المناورات الناعمة ، أدخل كفّه الأيمن في أحد الجيوب الداخلية للمعطف فلمس ورقة مطوية ، لم يُلق لها بالًا في البداية على أنها من أوراق فواتير الشراء ، شعورٌ طاغٍ حاصره ليدفعه لإدخال يده مرة أخرى في الجيب الداخلي ليخرج الورقة التي طويت بإحكام ويبدو أنها لم تُفتح بعد إدخالها، أشعل شمعة بجانب المدفأة وبدأ يقرؤها، أشعلت فيه الحروف جذوة الدفء، عرف في سطوة البرد بعض أسرار خربشاتها والأقواس التي تسجن بها الحروف تارة وتفتحها تارة، كتب على ظهر الورقة في المكان الخالي من الكتابة لها اعتذارًا، استرخى على كرسي مجاور يتلذذ بالدفء؛ دفء الكوت والمدفأة ولهب الشمعة، غفا على حذر خشية أن يختنق، تحركت الورقة نحو الشمعة وشعلتها تقترب من النهاية، صحا فجأة على رائحة الاحتراق، ذابت بقايا الشمعة على الأقواس المحترقة التي رسمها حول كتابته، أطفأ الحرارة التي استدفأ بها من برد الشتاء، علق الكوت الأسود على مشجب بجانبه، كتب على ورقة جديدة أنه يجيد اللعب مثلها بالأقواس حول الكتابة، وضع مشاعره الصامتة في جيب المعطف وأعاده للشتاء القادم، جاءت من بعده ووضعت ورقتها في الجيب نفسه ، ناما متجاورين والمعطف بجوارهما ينظران إليه ، لم يسمع أي منهما من الآخر الكلمات المكتوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى