مقالات مجد الوطن

خريف

 

محمد الرياني

عن يمينِه فنجانُ شاي  ، ينسى في كثيرٍ من الأوقاتِ أنَّ عَن يمينه فنجانًا، حالةٌ من النسيانِ تسيطرُ على رأسِه فيبردَ دونَ أن يمسَّه ، يتذكرُ وجهًا تترددُ صورتُه أمامَه ولم يره، يكررُ آهاتِه وأنه غيرُ مبالٍ ، يتظاهرُ بعدمِ الفهم فلا يجيبُ عن كلِّ الأسئلة، وبعضها يجيبُ عنها وقد ابتعدَ كلَّ البعدِ عن المقصود، ينظرُ إلى نصفِ جسده الذي تسكنه الأوجاعُ وتنتشرُ ندباتُ الأسقام ، لم يشأ أن يصدمَ قلبها في البداية، يريدُ أن يحافظَ عليها لتسموَ بعيدًا عنه، وأن تتغيرَ نظرتَها لتحبَّ الحياةَ البكر ، الألمُ الذي يطعنه بين لحظةٍ وأخرى لا يريده أن يتكررَ أمامها أو أن يكونَ جزءًا من معاناتها ، فارقٌ من الصحةِ يفصلُ بينهما كالفرق بين أغصان الربيع وسيقان الخريف،لا يريد أن يعينها بدواءٍ صلاحيتهُ منتهيةٌ فيعجِّلُ عليها قبله، أو يطردَها من الحياةِ ويظلَّ على الفراش ينظرُ إلى تفاصيله المهترئة ، الوجهُ المختبئُ وراءَ عالمٍ افتراضيٍّ لايصدقُ كلَّ ذلك، يحبها من أجلِ أن يمنعَ قلبها من أن يتسارعَ نحوه دون انتظام ، قالت له يومًا :هل هذا آخرُ ماعندك؟ بُهتَ وهو يسمعُ سؤالها فلم يجد إجابةً تكبحُ جماحَها، تركها في حيرةٍ كما هو في حيرة، لم يعد يطيقُ أسئلةً تعيده للخلف حيث العطرُ والشَّعرُ الطويلُ والثوبُ الذي يلامس الأرض، عادت من جديدٍ لتتأكدَ من موقفه فجاءت بنفسها، أبرزَ رأسَه الخالي من الشعر مثل السرابِ الذي تعيشه، أزالَ عن عينيه نظارتَه السميكةَ كي تزيلَ عن عينيها الغشاوة، كشفَ عن ساقيه لترى نُحُولَهما، ابتسمَ لها من أجلِ أن تعرفَ حقيقةَ الخريفِ الذي عاشت موسمَه أيَّامًا؟ عندما عجزت معه دعته أن يمنحَها بعضَ عمرِه لتسكنَ عالمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى